"أشواق قديمة" قصة قصيرة لـ"سمير المنزلاوى"
صفحة 1 من اصل 1
"أشواق قديمة" قصة قصيرة لـ"سمير المنزلاوى"
"أشواق قديمة" قصة قصيرة لـ"سمير المنزلاوى"
ورد فى ذهنه أن الطرق الملح على بابه ليس إلا بداية رؤيا وأنه الآن نائم ! فتح وتهلل لما رأى صديقه فتحى الخضرى، المتوفى منذ عامين! لم تصدر عنه أى حركة تنبئ عن دهشة، ففى خزانته الكثير من عادات الموتى: أشهرها التجول فى أحلام الأصدقاء، وارتداء الأثواب البيضاء السابغة. أراد معاتبته على القطيعة والحنث بوعده أن يحرمه النوم إذا سبقه إلى البرزخ. عابثه كما تعودا: - كيف هربت من الجحيم ؟ لم يبتسم أو يرد. تجاهل يد الصديق المشيرة بالدخول. استدار هابطا الدرج .قال له محمود فى حزن حقيقى: - ماذا بك؟ بح لصديق عمرك محمود خضر. لوى عنقه فجأة وقال: - سأنتظرك غدا، لا تتأخر. جاء الفجر وهو ممدد مفتوح العينين، مملوء القلق والإرهاق. كانت تفاصيل الحلم ساخنة.حكاها لزوجته فى السرير .لم يسترح لتفسيرها الكسول بأنه يرجوه أن يزور قبره! سخر فى سره، الروح نضت عنها العائق وانطلقت. كيف يدخل هذا فى رأسها؟ قال ضاغطا على كل حرف: - إنه يدعونى لزيارة بيته، اننى أفهم الرسالة تعجبت ورفعت حاجبيها وتثاءبت. قال: - إنه سينتظرنى هناك، أنا واثق. لو ذهبت معى س... قاطعته: -لا، لا أحب زوجته المتعجرفة. بعد القيلولة ارتدى حلة المناسبات، وضع رابطة العنق، وتعطر.على باب شقة صديقه قابلته حزمة الذكريات. البوادر مشجعة. استقبله ابنه ياسر. عثر فى ملامحه على فتحى كاملا: الأنف المستقيم، الوجه الطويل المسحوب لنهاية الذقن. نفس نغمة الصوت، نفس الأصابع الطويلة التى صافحته بأطرافها. حملق الشاب فيه وألقى السؤال الأزلى: - أى خدمة؟ هذا الولد حملته على حجرى وضربته على ظهره وشددت أذنه .عامان فقط محيا صورتى. قال له بابتسامة جاء بها: - أنا عمك محمود خضر صديق المرحوم. - أهلا تفضل. قالها دون أن يفسح له مكانا، نظر إلى الجسد الرشيق الذى يسد المدخل. أدرك الشاب الموقف، تنحى للداخل وسار محمود خلفه بسرعة. لم تتح له الفرصة لتفحص المكان. كتم أشواقه وهرول إلى حجرة الضيوف. تركه ياسر ومضى. كل شئ غريب ولا يعرفه: الكنبة.. العربية ذات المساند والشلت حل محلها طقم مذهب. الدولاب الأنيق الذى حفظ فيه فتحى أعداد مجلة العربى مسلسلة اختفى ! صورة الفقيد كانت تواجه الكنبة. لاأثر لها.عاد بكوب عصير غامق قال له: - كبرت بسرعة، الأيام تجرى و .. - آه آه - المرحوم كان أعز الأحباب. - آه رفع بصره: - صورة فتحى كانت هنا. - آه . أدار الابن عينيه يهرب من الأسئلة المفاجئة كالطلقات. اقترب ابنه الطفل، أشار إليه بحسم فجرى إلى الداخل. لماذا لا يريحنى؟ يقول عن الصورة مثلا أنهم نقلوها إلى غرفة أخرى. ربما لا ؟أقتنع، و أتصورها ملقاة فى النفايات، أو فى ركن يركلها الطفل بقدمه ويحطم زجاجها. أما آه آه فلا أقبلها ! ابتلع سؤالا عن الدولاب ومجلة العربى. من الملائم أن أعرج على الحلم لأنقذه من التململ و النظرات النارية للطفل المصمم على اقتحام الجلسة. لا أستبعد إن أطلت أن ينفجر: - هل جئت تقلب دماغنا؟ المجلات صارت طائرات ورقية، والصورة تحطمت هه . انتهى من العصير وشكره قائلا: - أريد ن أسلم على الوالدة وأحكى لها الحلم الذى زارنى فيه والدك. هب بلا كلمة. الطفل يحوم .جاء بعد قليل: - أمى آتية بعد قليل. ربما كان عليه أن بهاتفهم قبل المجئ. لكنهم استوعبوا الموقف، والأم فى الطريق. لاشك أنها تغيرت .ستبكى حال رؤيته .لن أتحكم فى أعصابى .سأشاطرها. هذا الشاب المتماسك سينهار ويحتضننى شاهقا! عاد ياسر يقول بملل: - شرفتنا. أوسعت ابتسامتى: - ابنك لطيف - آه. سوف أسهب فى تفاصيل الحلم، والملابس التى زارنى فيها فتحى، وعلاقة ذلك بالموروث الشعبى .سأذكر ما دار بينى وبين زوجتى من جدل حول تفسير الحلم. سينحازون بالطبع إلى تفسيرى .إنه منطقى جدا. أما متعجرفة جدا فلن أجرؤ على البوح بها! انحنى أصلا غير مقتنع، فزوجتى انعزاليه. قام ياسر ثانية وغاب. أشعر بخدر فى قدمى. عاد بسرعة. قال بلا خجل: - أمى مشغولة بالمسلسل. سوف تأتى ولكن .. - فرصة أخرى. أبلغها تحياتى. ضغط الشاب على يده كأنه يشجعه على الانصراف، قطع الشارع فى خطوتين رغم تزايد الخدر. قفز فى أول حافلة .فكر فى زيارة صديقه ليسخرا مما حدث، لكن جسده تخشب على المقعد. لم تعد فيه عضلة تتحرك. أراد أن يسير بلا هدى، أو يعدو فوق الطوار. كرر كلمات: متعجرفة بلا داع. لكنه لم يتذكر قائلها ولا من قيلت فيه ولا مناسبة القول. ظل يجرى مع الحافلة خارج الزمن.
رابط الخبر
http://www.youm7.com/story/2015/3/23/%D8%A3%D8%B4%D9%88%D8%A7%D9%82-%D9%82%D8%AF%D9%8A%D9%85%D8%A9-%D9%82%D8%B5%D8%A9-%D9%82%D8%B5%D9%8A%D8%B1%D8%A9-%D9%84%D9%80%D8%B3%D9%85%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%B2%D9%84%D8%A7%D9%88%D9%89/2114388#.VWHDvPnvOM8<br>
ورد فى ذهنه أن الطرق الملح على بابه ليس إلا بداية رؤيا وأنه الآن نائم ! فتح وتهلل لما رأى صديقه فتحى الخضرى، المتوفى منذ عامين! لم تصدر عنه أى حركة تنبئ عن دهشة، ففى خزانته الكثير من عادات الموتى: أشهرها التجول فى أحلام الأصدقاء، وارتداء الأثواب البيضاء السابغة. أراد معاتبته على القطيعة والحنث بوعده أن يحرمه النوم إذا سبقه إلى البرزخ. عابثه كما تعودا: - كيف هربت من الجحيم ؟ لم يبتسم أو يرد. تجاهل يد الصديق المشيرة بالدخول. استدار هابطا الدرج .قال له محمود فى حزن حقيقى: - ماذا بك؟ بح لصديق عمرك محمود خضر. لوى عنقه فجأة وقال: - سأنتظرك غدا، لا تتأخر. جاء الفجر وهو ممدد مفتوح العينين، مملوء القلق والإرهاق. كانت تفاصيل الحلم ساخنة.حكاها لزوجته فى السرير .لم يسترح لتفسيرها الكسول بأنه يرجوه أن يزور قبره! سخر فى سره، الروح نضت عنها العائق وانطلقت. كيف يدخل هذا فى رأسها؟ قال ضاغطا على كل حرف: - إنه يدعونى لزيارة بيته، اننى أفهم الرسالة تعجبت ورفعت حاجبيها وتثاءبت. قال: - إنه سينتظرنى هناك، أنا واثق. لو ذهبت معى س... قاطعته: -لا، لا أحب زوجته المتعجرفة. بعد القيلولة ارتدى حلة المناسبات، وضع رابطة العنق، وتعطر.على باب شقة صديقه قابلته حزمة الذكريات. البوادر مشجعة. استقبله ابنه ياسر. عثر فى ملامحه على فتحى كاملا: الأنف المستقيم، الوجه الطويل المسحوب لنهاية الذقن. نفس نغمة الصوت، نفس الأصابع الطويلة التى صافحته بأطرافها. حملق الشاب فيه وألقى السؤال الأزلى: - أى خدمة؟ هذا الولد حملته على حجرى وضربته على ظهره وشددت أذنه .عامان فقط محيا صورتى. قال له بابتسامة جاء بها: - أنا عمك محمود خضر صديق المرحوم. - أهلا تفضل. قالها دون أن يفسح له مكانا، نظر إلى الجسد الرشيق الذى يسد المدخل. أدرك الشاب الموقف، تنحى للداخل وسار محمود خلفه بسرعة. لم تتح له الفرصة لتفحص المكان. كتم أشواقه وهرول إلى حجرة الضيوف. تركه ياسر ومضى. كل شئ غريب ولا يعرفه: الكنبة.. العربية ذات المساند والشلت حل محلها طقم مذهب. الدولاب الأنيق الذى حفظ فيه فتحى أعداد مجلة العربى مسلسلة اختفى ! صورة الفقيد كانت تواجه الكنبة. لاأثر لها.عاد بكوب عصير غامق قال له: - كبرت بسرعة، الأيام تجرى و .. - آه آه - المرحوم كان أعز الأحباب. - آه رفع بصره: - صورة فتحى كانت هنا. - آه . أدار الابن عينيه يهرب من الأسئلة المفاجئة كالطلقات. اقترب ابنه الطفل، أشار إليه بحسم فجرى إلى الداخل. لماذا لا يريحنى؟ يقول عن الصورة مثلا أنهم نقلوها إلى غرفة أخرى. ربما لا ؟أقتنع، و أتصورها ملقاة فى النفايات، أو فى ركن يركلها الطفل بقدمه ويحطم زجاجها. أما آه آه فلا أقبلها ! ابتلع سؤالا عن الدولاب ومجلة العربى. من الملائم أن أعرج على الحلم لأنقذه من التململ و النظرات النارية للطفل المصمم على اقتحام الجلسة. لا أستبعد إن أطلت أن ينفجر: - هل جئت تقلب دماغنا؟ المجلات صارت طائرات ورقية، والصورة تحطمت هه . انتهى من العصير وشكره قائلا: - أريد ن أسلم على الوالدة وأحكى لها الحلم الذى زارنى فيه والدك. هب بلا كلمة. الطفل يحوم .جاء بعد قليل: - أمى آتية بعد قليل. ربما كان عليه أن بهاتفهم قبل المجئ. لكنهم استوعبوا الموقف، والأم فى الطريق. لاشك أنها تغيرت .ستبكى حال رؤيته .لن أتحكم فى أعصابى .سأشاطرها. هذا الشاب المتماسك سينهار ويحتضننى شاهقا! عاد ياسر يقول بملل: - شرفتنا. أوسعت ابتسامتى: - ابنك لطيف - آه. سوف أسهب فى تفاصيل الحلم، والملابس التى زارنى فيها فتحى، وعلاقة ذلك بالموروث الشعبى .سأذكر ما دار بينى وبين زوجتى من جدل حول تفسير الحلم. سينحازون بالطبع إلى تفسيرى .إنه منطقى جدا. أما متعجرفة جدا فلن أجرؤ على البوح بها! انحنى أصلا غير مقتنع، فزوجتى انعزاليه. قام ياسر ثانية وغاب. أشعر بخدر فى قدمى. عاد بسرعة. قال بلا خجل: - أمى مشغولة بالمسلسل. سوف تأتى ولكن .. - فرصة أخرى. أبلغها تحياتى. ضغط الشاب على يده كأنه يشجعه على الانصراف، قطع الشارع فى خطوتين رغم تزايد الخدر. قفز فى أول حافلة .فكر فى زيارة صديقه ليسخرا مما حدث، لكن جسده تخشب على المقعد. لم تعد فيه عضلة تتحرك. أراد أن يسير بلا هدى، أو يعدو فوق الطوار. كرر كلمات: متعجرفة بلا داع. لكنه لم يتذكر قائلها ولا من قيلت فيه ولا مناسبة القول. ظل يجرى مع الحافلة خارج الزمن.
رابط الخبر
http://www.youm7.com/story/2015/3/23/%D8%A3%D8%B4%D9%88%D8%A7%D9%82-%D9%82%D8%AF%D9%8A%D9%85%D8%A9-%D9%82%D8%B5%D8%A9-%D9%82%D8%B5%D9%8A%D8%B1%D8%A9-%D9%84%D9%80%D8%B3%D9%85%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%B2%D9%84%D8%A7%D9%88%D9%89/2114388#.VWHDvPnvOM8<br>
مواضيع مماثلة
» أشواق قديمة- من مجموعة تحمل نفس الاسم
» "رد الزيت فى الزيتون" قصة جديدة لـ"سمير المنزلاوى"
» "شر البلية" قصة جديدة للأديب سمير المنزلاوى _ اليوم السابع
» خالد منصور مع سمير المنزلاوى و شعيان ناجى حول الدكان فى ليالى 28 11 2015
» رمزى المنزلاوى ، أبى رحمه الله . أطياف من سيرته
» "رد الزيت فى الزيتون" قصة جديدة لـ"سمير المنزلاوى"
» "شر البلية" قصة جديدة للأديب سمير المنزلاوى _ اليوم السابع
» خالد منصور مع سمير المنزلاوى و شعيان ناجى حول الدكان فى ليالى 28 11 2015
» رمزى المنزلاوى ، أبى رحمه الله . أطياف من سيرته
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى