أشواق قديمة- من مجموعة تحمل نفس الاسم

من طرف **samir elmanzlawy** الإثنين فبراير 08, 2016 2:36 pm

أشواق قديمة- من مجموعة تحمل نفس الاسم
ورد في ذهنه أن الطرق الملح على بابه ليس إلا بداية رؤيا وأنه الآن نائم !
فتح وتهلل لما رأى صديقه فتحي الخضري ، المتوفى منذ عامين !لم تصدر عنه أي حركة تنبئ عن دهشة ‘ ففي خزانته الكثير من عادات الموتى : أشهرها التجول في أحلام الأصدقاء ، وارتداء الأثواب البيضاء السابغة .
أراد معاتبته على القطيعة والحنث بوعده أن يحرمه النوم إذا سبقه إلى البرزخ. عابثه كما تعودا:
- كيف هربت من الجحيم ؟
لم يبتسم أو يرد . تجاهل يد الصديق المشيرة بالدخول . استدار هابطا الدرج .قال له محمود في حزن حقيقي :
- ماذا بك؟ بح لصديق عمرك محمود خضير.
لوي عنقه فجأة وقال:
- سأنتظرك غدا ، لا تتأخر .
جاء الفجر وهو ممدد مفتوح العينين ، مملوء القلق والإرهاق .
كانت تفاصيل الحلم ساخنة . حكاها لزوجته في
السرير .لم يسترح لتفسيرها الكسول بأنه يرجوه أن يزور قبره!
سخر في سره ، الروح نضت عنها العائق وانطلقت . كيف يدخل هذا في رأسها؟
قال ضاغطا على كل حرف :
- انه يدعوني لزيارة بيته ، اننى أفهم الرسالة .
تعجبت ورفعت حاجبيها وتثاءبت . قال :
- انه سينتظرني هناك ، أنا واثق . لو ذهبت معي س...
قاطعته :
-لا ، لا أحب زوجته المتعجرفة .
بعد القيلولة ارتدى حلة المناسبات ،وضع رابطة العنق ،وتعطر.على باب شقة صديقه قابلته حزمة الذكريات . البوادر مشجعة . استقبله ابنه ياسر .عثر في ملامحه على فتحي كاملا: الأنف المستقيم ، الوجه الطويل المسحوب لنهاية الذقن. نفس نغمة الصوت ، نفس الأصابع الطويلة التي صافحته بأطرافها.
حملق الشاب فيه وألقى السؤال الأزلي:
- أي خدمة؟
هذا الولد حملته على حجري وضربته على ظهره وشددت أذنه .عامان فقط محيا صورتي .
قال له بابتسامة جاء بها :
- أنا عمك محمود خضير صديق المرحوم.
- أهلا تفضل .
قالها دون أن يفسح له مكانا، نظر إلى الجسد الرشيق الذي يسد المدخل. أدرك الشاب الموقف، تنحى للداخل وسار محمود خلفه بسرعة . لم تتح له الفرصة لتفحص المكان.
كتم أشواقه وهرول إلى حجرة الضيوف . تركه ياسر ومضى . كل شئ غريب ولا يعرفه : الكنبة العربية ذات المساند والشلت حل محلها طقم مذهب . الدولاب الأنيق الذي حفظ فيه فتحي أعداد مجلة العربي مسلسلة اختفى !
صورة الفقيد كانت تواجه الكنبة . لاأثر لها.عاد بكوب عصير غامق قال له:
- كبرت بسرعة ، الأيام تجرى و ..
- آه آه
- المرحوم كان أعز الأحباب .
- آه
رفع بصره :
- صورة فتحي كانت هنا.
- آه .
أدار الابن عينيه يهرب من الأسئلة المفاجئة كالطلقات .
اقترب ابنه الطفل ، أشار إليه بحسم فجرى إلى الداخل.
لماذا لا يريحني؟
يقول عن الصورة مثلا أنهم نقلوها إلى غرفة أخرى ؟ربما لا أقتنع ، و أتصورها ملقاة في النفايات ، أو في ركن يركلها الطفل بقدمه ويحطم زجاجها . أما آه آه فلا أقبلها !
ابتلع سؤالا عن الدولاب ومجلة العربي . من الملائم أن أعرج على الحلم لأنقذه من التململ و النظرات النارية للطفل المصمم على اقتحام الجلسة.
لا أستبعد إن أطلت أن ينفجر :
- هل جئت تقلب دماغنا ؟المجلات صارت طائرات ورقية ،والصورة تحطمت هه .
انتهى من العصير وشكره قائلا:
- أريد ن أسلم على الوالدة وأحكى لها الحلم الذي زارني فيه والدك.
هب بلا كلمة. الطفل يحوم .جاء بعد قليل:
- أمي آتية بعد قليل.
ربما كان عليه أن بهاتفهم قبل المجئ. لكنهم استوعبوا الموقف ، والأم في الطريق.
لاشك أنها تغيرت .ستبكى حال رؤيته .لن أتحكم في أعصابي .سأشاطرها . هذا الشاب المتماسك سينهار ويحتضنني شاهقا!
عاد ياسر يقول بملل:
- شرفتنا .
أوسعت ابتسامتي:
- ابنك لطيف
- آه .
سوف أسهب في تفاصيل الحلم ، والملابس التي زارني فيها فتحي ، وعلاقة ذلك بالموروث الشعبي .سأذكر ما دار بيني وبين زوجتي من جدل حول تفسير الحلم . سينحازون بالطبع إلى تفسيري .انه منطقي جدا . أما متعجرفة جدا فلن أجرؤ على البوح بها!
اننى أصلا غير مقتنع ، فزوجتي انعزاليه . قام ياسر ثانية وغاب.
أشعر بخدر في قدمي . عاد بسرعة . قال بلا خجل:
- أمي مشغولة بالمسلسل . سوف تأتى ولكن ..
- فرصة أخرى . أبلغها تحياتي .
ضغط الشاب على يده كأنه يشجعه على الانصراف ،قطع الشارع في خطوتين رغم تزايد الخدر.
قفز في أول حافلة .فكر في زيارة قير صديقه ليسخرا مما حدث ، لكن جسده تخشب على المقعد . لم تعد فيه عضلة تتحرك . أراد أن يسير بلا هدى ، أو يعدو فوق الطوار . كرر كلمات: متعجرفة بلا داع . لكنه لم يتذكر قائلها ولا من قيلت فيه ولا مناسبة القول . ظل يجرى مع الحافلة خارج الزمن.