الشدة المستنصرية
صفحة 1 من اصل 1
الشدة المستنصرية
لوحة سوداء تطل علينا من عصر بعيد، تسجل تاريخ صبر الشعب المصري وتحمله الشدائد التي تنوء بحملها الجبال لمدة سبع سنوات متصلة.
ميدل ايست أونلاين
بقلم: سمير المنزلاوي
مواقف تجعل الدموع تطفر من العيون
في الوقت الذي كان الخليفة الفاطمي المستنصر، يتنزه في ضواحي القاهرة، أكل الناس بعضهم بعضا من الجوع!
يرسم ابن تغري بردي في كتابه النجوم الزاهرة، صورة مقربة لهذا الخليفة الماجن، المنغمس في اللهو، كمن يعيش في عالم آخر، لا يسمع صرخات الجوعى وهم يتساقطون في الشوارع!:
"ومن عاداته كل سنة، أن المستنصر يركب على النجب (النياق الجيدة) مع النساء والحشم إلى جب عميره (إحدى نواحي القليوبية) وهو موضع نزهة، فيخرج إليه بهيئة أنه خارج للحج! على سبيل الهزء والمجانة، ومعه الخمر في الروايا عوضا عن الماء! ويسقيه للناس كما يفعل بالماء في طريق مكة!" .
على بعد خطوات من هذا اللهو، شعب يتضور، ولا يجد ما يحفظ حياته، لشدة الغلاء وشح الأقوات!
يكمل ابن تغري بردي وصفه للمجاعة:
"هذا والغلاء بمصر يتزايد، حتى أنه جلا عن مصر خلق كثير، لما حصل بها من الغلاء الزائد عن الحد والجوع الذي لم يعهد مثله في الدنيا! فإنه مات أكثر أهل مصر وأكل بعضهم بعضا!
وظهروا على بعض الطباخين أنه ذبح عدة من الصبيان والنساء، وأكل لحومهم وباعها بعد أن طبخها.
وأكلت الدواب بأسرها، فلم يبق للمستنصر سوى ثلاثة أفراس بعد أن كانت عشرة آلاف!
وبيع الكلب بخمسة دنانير، والسنور بثلاثة دنانير.
ونزل الوزير أبو المكارم، وزير المستنصر عن بغلته على باب القصر، ولم يكن معه إلا غلام واحد، فجاء ثلاثة وأخذوا البغلة، ولم يمنعهم الغلام لضعفه من الجوع".
كان سبب تلك الأهوال، ضعف الخليفة ومجونه، وهبوط مستوى النيل هبوطا شديدا أدى إلى جفاف المحاصيل وتدميرها!
لوحة سوداء تطل علينا من عصر بعيد، تسجل تاريخ صبر الشعب المصري وتحمله الشدائد التي تنوء بحملها الجبال لمدة سبع سنوات متصلة هي عمر الشدة المستنصرية!
تبرز من بين تفاصيلها، مواقف تجعل الدموع تطفر من العيون. وكيف لا والتاريخ يتحدث عن أمراء ووزراء وأبناء بيوتات عريقة، اضطروا إلى الخدمة في الحمامات والخانات، كي يحصلوا على لقمة تنقذهم من الموت!:
"ودخل رجل الحمام، فقال له الحمامي:
من تريد أن يخدمك، سعد الدولة أم عز الدولة أم فخر الدولة؟
فقال الرجل: أتهزأ بي؟ قال: لا والله انظر إليهم.
فنظر، فإذا أعيان الدولة ورؤساؤها صاروا يخدمون الناس في الحمامات!".
ومن سخريات القدر أن موجة الفاقة العالية جرفت الخليفة نفسه، فلم يعد لديه ما يبعثره يمينا ويسارا.
نفد كل شيء وبات يعانى كأقل الناس! ويقول ابن الأثير:
"وكان المستنصر يركب في هذه الشدة وحده، وكل من كانوا معه مترجلون ليس لهم دواب يركبونها، وكانوا إذا مشوا في الشوارع يتساقطون من الجوع! وكان المستنصر يستعير بغلة رئيس ديوان الإنشاء ليركبها، وآخر الجوع توجهت أم المستنصر إلى بغداد من فرط الجوع!".
تفاقم الأمر، رغم محاولات ساذجة بذلها المستنصر، فقد ألبس بعض المجرمين المحكوم عليهم بالإعدام، ملابس التجار ثم أعدمهم، ليرهب التجار الحقيقيين!
لكن هيهات، فقد أفلت الزمام، وتناثرت الجثث، وساد الرعب وخلت الشوارع، حيث لم يعد أحد يأمن على نفسه!
لنعد إلى النجوم الزاهرة لننقل بقية الأحداث المأساوية:
"وكان السودان يقفون في الأزقة، يخطفون النساء بالكلاليب، ويشرحون لحومهن ويأكلونها! واجتازت امرأة بزقاق القناديل بمصر وكانت سمينة، فعلقها السودان بالكلاليب، وقطعوا من عجزها قطعة، وقعدوا يأكلونها وغفلوا عنها، فخرجت واستغاثت، فجاء الوالي وكبس الدار فأخرج منها ألوف القتلى، وقتل السودان".
رابط الخبر
http://www.middle-east-online.com/?id=199464
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى