كرامات أمى (متجدد)
صفحة 1 من اصل 1
كرامات أمى (متجدد)
كرامة لأمى أصلح الله بالها :
ومن ذلك ، علاقتها بجدتى لأبى ، زمزم رحمها الله . وهى علاقة متوترة صعبة من ناحية الجدة ، يقابلها خضوع من جانب أمى ! كانت زمزم صعبة المراس ، لا يجرؤ جدى ، فضلا عن مخلوق آخر أن يعارضها !
ومما يروى عن جرأتها أنها بينما كانت تبكى مع النساء لوفاة شقيقها الحاج على ، فوجئن بها تخترق جدار الحزن ، وتندفع نحو شادر الرجال لتنحى المقرئ من فوق الدكة ، صارخة فى وجهه: - انزل ، الحاج على أخويا مكنش بيحب الخنف !.
تدير البيت بكل من فيه ، ادارة تركية ، فتتخير طعام اليوم ، وتتذوق الطبيخ ، وتمتعض لأى شائبة فى الأرض ، وتصرخ اذا صاح الدجاج من الجوع ، وتلهب الجميغ بلسانها فيسرعن الى السطح لارضائها . تتدخل فى كل شئ ، حتى العلاقة الحميمة بين أولادها وأزواجهن ، وتجبر كل واحدة أن تنام معها ثلاثة أيام فى الأسبوع حتى لا يقتلن ذكورها من كثرة الوقاع !
أمى دون زوجات أعمامى تجنبت الصدام ، فبعد الكنس والطبخ ، تلحق بمقعدها العلوى أو زنزانتها ، ولا تهبط حتى اليوم التالى !
كان أبى موظفا فى بريد دمنهور ، ويأتى يومين فى الاسبوع ، أما جدتى لأمى وأخوالى ، فيقيمون فى قرية بعيدة ، لذا تصرفت أمى كغصن وحيد ، مقطوع من شجرة !
تبكى منفردة ، ولم تكن أنجبت بعد ، ثم تنام بدموعها ، وعندما يعود أبى ، تقابله بوجه خال من الهموم ، ولا تفتح فمها بكلمة ، عما يجرى من تعذيب فى هذا المعتقل !
حدث أن موظفى البريد نظموا اضرابا ، لتحسين ظروف العمل ، وجلس أبى فى البيت شهرين .
ابتكرت جدتى خلالهما وسائل جديدة للتكدير ، فلا يسمح باضاءة لمبة فى المقعد نوفيرا للجاز ، واختصرت الوجبات الى الغداء فقط ، ولم تعد ثمة
فاكهة ، ولا شاى !
عندما وجدت أمى تتحمل ، ولا تشكو ، لم تجد بدا من اصدار قرار الطرد ، وأمرت جدى أن يبلغ به الزوجين المسكينين !
وهكذا جاءت الكارو ، وخر جت الكراكيب الصابرة ، ولأول مرة تبيت أمى فى منزل صغير خاص بها ، وان كانت لا تملكه !
الآن يمكنها أن تضحك وتثرثر مع الجارات ، وتنقى الأرز أمام الباب ، وتشعل اللمبة طول الليل ، لأنها تخاف من الظلام !
جاءت جدتى لأمى وأخوالى بحمير محملةبالأرز والغلة ، وكان بيت العائلة محرما عليهم طبقا للأوامر الزمزمية !
لم يطل الوقت ، حتى انتهى الاضراب ، وحصل أبى على أجر الشهور الماضية ، وامتلأ البيت الصغير خيرا !
ولأن القرية موصلة جيدة للأخبار ، فقد سعت التطورات اليها فى مملكتها ، فأصدرت فرمانا بعودة المطرودين .
أرسلت الى أبى ، وكان سهلا ، لينا ، فأقنعته ، لكن أمى رفضت تماما ، فبعد أن ذاقت طعم الحرية ، لم تكن لتسلم نفسها الى الاستبداد ثانية !
ولا زال رد فعل جدتى يحكى ضمن الموروث الشعبى ، فقد اندفعت الى بيتنا الجديد ، وكانت أمى تجلس مع جار اتها على المصطبة تتنفس بعمق !
خلعت جدتى الشكربين ذا النعل الخشبى الصلب وانهالت على رأس أمى ، التى لم تفعل شيئا ، سوى حماية رأسها بيديها !
حاولت بعض النساء الاعتداء على زمزم ، لكن أمى منعتهن ، واصطحبتها للداخل ، ولم تتركها تنصرف حتى تغدت وشربت الشاى !
ظلت تحكى ماحدث بقية حياتها فى ساعات صفاء الضمير ، فتقول لبناتها :
- معنديش غلاوة أم سمير ، الشكربين وقع منى ناولته لى !
وتمضى الأيام لتكمل دورتها الأزلية ، فيموت جدى ، ويستهم أعمامى وعماتى على من يأخذ جدتى عنده !
ويبدو جليا أن الجميع يشفقون من العيش معها ، ويتصورون ما قد تسببه لهم من منغصات !
تتدخل أمى بحسم وتقول : انا هاخد أمى زمزم عندى ، وهعمل لها خدامه !
وتقيم زمزم عندنا ، وتتفرغ أمى لها : تحممها وتطعمها بيديها وتغسل ملابسها بكل تجرد ، وتسندها الى الحمام .
قد رأيتها كثيرا تخلع عصابتها فيبدو شعرها الثلجى ، ثم ترفع يديها الى السماء وتدعو لنا فردا فردا ، حتى اذا وصلت الى أمى ، ترفع نبرتها ، وتكاد تبكى وهى تقول :
- ربنا يسترك ويديكى الصحة والعافية ويبارك لك فى راجلك وأولادك يا بنت عيشه !
ثم تسيل دموعها على وجنتيها المتغضنتين ! رحم الله الراحلين .
ومن ذلك ، علاقتها بجدتى لأبى ، زمزم رحمها الله . وهى علاقة متوترة صعبة من ناحية الجدة ، يقابلها خضوع من جانب أمى ! كانت زمزم صعبة المراس ، لا يجرؤ جدى ، فضلا عن مخلوق آخر أن يعارضها !
ومما يروى عن جرأتها أنها بينما كانت تبكى مع النساء لوفاة شقيقها الحاج على ، فوجئن بها تخترق جدار الحزن ، وتندفع نحو شادر الرجال لتنحى المقرئ من فوق الدكة ، صارخة فى وجهه: - انزل ، الحاج على أخويا مكنش بيحب الخنف !.
تدير البيت بكل من فيه ، ادارة تركية ، فتتخير طعام اليوم ، وتتذوق الطبيخ ، وتمتعض لأى شائبة فى الأرض ، وتصرخ اذا صاح الدجاج من الجوع ، وتلهب الجميغ بلسانها فيسرعن الى السطح لارضائها . تتدخل فى كل شئ ، حتى العلاقة الحميمة بين أولادها وأزواجهن ، وتجبر كل واحدة أن تنام معها ثلاثة أيام فى الأسبوع حتى لا يقتلن ذكورها من كثرة الوقاع !
أمى دون زوجات أعمامى تجنبت الصدام ، فبعد الكنس والطبخ ، تلحق بمقعدها العلوى أو زنزانتها ، ولا تهبط حتى اليوم التالى !
كان أبى موظفا فى بريد دمنهور ، ويأتى يومين فى الاسبوع ، أما جدتى لأمى وأخوالى ، فيقيمون فى قرية بعيدة ، لذا تصرفت أمى كغصن وحيد ، مقطوع من شجرة !
تبكى منفردة ، ولم تكن أنجبت بعد ، ثم تنام بدموعها ، وعندما يعود أبى ، تقابله بوجه خال من الهموم ، ولا تفتح فمها بكلمة ، عما يجرى من تعذيب فى هذا المعتقل !
حدث أن موظفى البريد نظموا اضرابا ، لتحسين ظروف العمل ، وجلس أبى فى البيت شهرين .
ابتكرت جدتى خلالهما وسائل جديدة للتكدير ، فلا يسمح باضاءة لمبة فى المقعد نوفيرا للجاز ، واختصرت الوجبات الى الغداء فقط ، ولم تعد ثمة
فاكهة ، ولا شاى !
عندما وجدت أمى تتحمل ، ولا تشكو ، لم تجد بدا من اصدار قرار الطرد ، وأمرت جدى أن يبلغ به الزوجين المسكينين !
وهكذا جاءت الكارو ، وخر جت الكراكيب الصابرة ، ولأول مرة تبيت أمى فى منزل صغير خاص بها ، وان كانت لا تملكه !
الآن يمكنها أن تضحك وتثرثر مع الجارات ، وتنقى الأرز أمام الباب ، وتشعل اللمبة طول الليل ، لأنها تخاف من الظلام !
جاءت جدتى لأمى وأخوالى بحمير محملةبالأرز والغلة ، وكان بيت العائلة محرما عليهم طبقا للأوامر الزمزمية !
لم يطل الوقت ، حتى انتهى الاضراب ، وحصل أبى على أجر الشهور الماضية ، وامتلأ البيت الصغير خيرا !
ولأن القرية موصلة جيدة للأخبار ، فقد سعت التطورات اليها فى مملكتها ، فأصدرت فرمانا بعودة المطرودين .
أرسلت الى أبى ، وكان سهلا ، لينا ، فأقنعته ، لكن أمى رفضت تماما ، فبعد أن ذاقت طعم الحرية ، لم تكن لتسلم نفسها الى الاستبداد ثانية !
ولا زال رد فعل جدتى يحكى ضمن الموروث الشعبى ، فقد اندفعت الى بيتنا الجديد ، وكانت أمى تجلس مع جار اتها على المصطبة تتنفس بعمق !
خلعت جدتى الشكربين ذا النعل الخشبى الصلب وانهالت على رأس أمى ، التى لم تفعل شيئا ، سوى حماية رأسها بيديها !
حاولت بعض النساء الاعتداء على زمزم ، لكن أمى منعتهن ، واصطحبتها للداخل ، ولم تتركها تنصرف حتى تغدت وشربت الشاى !
ظلت تحكى ماحدث بقية حياتها فى ساعات صفاء الضمير ، فتقول لبناتها :
- معنديش غلاوة أم سمير ، الشكربين وقع منى ناولته لى !
وتمضى الأيام لتكمل دورتها الأزلية ، فيموت جدى ، ويستهم أعمامى وعماتى على من يأخذ جدتى عنده !
ويبدو جليا أن الجميع يشفقون من العيش معها ، ويتصورون ما قد تسببه لهم من منغصات !
تتدخل أمى بحسم وتقول : انا هاخد أمى زمزم عندى ، وهعمل لها خدامه !
وتقيم زمزم عندنا ، وتتفرغ أمى لها : تحممها وتطعمها بيديها وتغسل ملابسها بكل تجرد ، وتسندها الى الحمام .
قد رأيتها كثيرا تخلع عصابتها فيبدو شعرها الثلجى ، ثم ترفع يديها الى السماء وتدعو لنا فردا فردا ، حتى اذا وصلت الى أمى ، ترفع نبرتها ، وتكاد تبكى وهى تقول :
- ربنا يسترك ويديكى الصحة والعافية ويبارك لك فى راجلك وأولادك يا بنت عيشه !
ثم تسيل دموعها على وجنتيها المتغضنتين ! رحم الله الراحلين .
عدل سابقا من قبل samir elmanzlawy في الأحد فبراير 07, 2016 11:43 pm عدل 1 مرات
بعض كرامات أمى أكرمها الله
بعض كرامات أمى أكرمها الله :
ومن ذلك حب الجارات لها والتفافهن حولها ، كالبنات حول أمهن الرءوم !
وربما تمتد دائرة الحب بعيدا فتأتيها زائرات من كل فج عميق . فى تلك الزيارات الطويلة يستفسرن منها عن سر الطهو القديم ، لأكلات كادت تنقرض مثل الخبيزة والبصارة والمسقعة ! وعن الأخلاط المناسبة والمدة اللازمة لنضج الفسيخ ، والجبن القديم ، وطريقة صناعة المش وما يدخل فيه من البهارات والملح واللبن الرائب والعصفر !يسألنها كذلك عن أفضل الطرق لصناعة مربى النارنج والجوافة والبلح وقشر البر تقال !
بدخل فى اختصاصها - قواها الله - فجص البيض المعد للتفريخ ، فهى تمسك البيضة بين الابهام والسبابة ، وتقف فى مواجهة النافذة أمام الضوء ، ثم تنظر فى ركن البيضة بطرف عينها ، فاذا رأت علامة التخصيب على هيئة نقطة سوداء ضئيلة ، تهز رأسها ، أما اذا وجدتها رائقة ، فتعيدها لصاحبتها قائلة فى حزم : اقليها للعيال .
تكتب على غلاف النتيجة مواعيد فقس البيض لبط ودجاج واوز الجيران ، كما تكتب بداية حمل فلانة وفلانة ، لتنبهها عندما تقترب الولادة .
وفى مجال أمراض الأطفال ، فلها باع طويل ، ذكرنا مقدمة عنه فى الكرامات السابقة ، فربما اكتفت بالرقية ، أو تناولت شيئا من ذخائرها تقدمه للأم مع طريقة الاستعمال .
من مآثرها المعروفة أيضا ، مصالحة المتخاصمات مع ازواجهن ، ووعظهن بآيات وأحاديث وحكايات عن زوجات النبى والصالحين ، وعن نساء سمعت سيرتهن فى المذياع !
ورد الدين لمن تهورت فلطمت خديها ، قد يكون ذلك بسبب ر عونة الزوج أو شقاوة العيال أو تعصب وحمق الحماة ، وتعتبر من لطمت فى المنام قد لطمت فعلا ، ويجوز أن تتلو وراءها ! تحفظ صيغة رد الدين عن ظهر قلب وتؤكد ان شيخا كبيرا ذكرها فى اذاعة القرآن الكريم !
وهى ( تبت ورجعت وندمت على ما فعلت ، وعزمت فى قلبى عزما قويا ألا أعود أبدا ، أستغفر الله العظيم ، عشر مرات )
ذات يوم مرضت ، وارتقعت حرارتها ، ونامت تضع لبخة على جبينها من الخردل والشيح ، وجلست بجوارها ، فرن جرس الباب ، وحين خرجت وجدت سيدة أتت من عزبة بعيدة ، تلهث من التعب .
سألتنى عن أم سمير ، وفهمت أنها لطمت وتريد استرجاع دينها !
أشفقت على أمى وأفهمتها أنها مريضة ، فلم تتحرك وشعرت بمدى قلقها ، حيث فقدت أعز ما تملك !
لا أدرى كيف لمعت فى ذهنى تلك الفكرة الجريئة .
اننى أحفظ صيغة رد الدين من كثرة ما سمعتها ! ما المانع من ارضاء السيدة ؟
وبالفعل أجلستها فى غرفة الضيوف وبدأت أتلو بصوت مرتفع مقلدا طريقتها فى النبر والتنغيم !
لم أكد أكمل جملتين ، حتى فوجئت بأمى تقتحم الغرفة ، مستندة على عصاها ، وتقول بصوت مريض لكنه غاضب :
- هوا أنا بروح المدرسه ، وأدخل الحصة بدالك ؟
ومن ذلك حب الجارات لها والتفافهن حولها ، كالبنات حول أمهن الرءوم !
وربما تمتد دائرة الحب بعيدا فتأتيها زائرات من كل فج عميق . فى تلك الزيارات الطويلة يستفسرن منها عن سر الطهو القديم ، لأكلات كادت تنقرض مثل الخبيزة والبصارة والمسقعة ! وعن الأخلاط المناسبة والمدة اللازمة لنضج الفسيخ ، والجبن القديم ، وطريقة صناعة المش وما يدخل فيه من البهارات والملح واللبن الرائب والعصفر !يسألنها كذلك عن أفضل الطرق لصناعة مربى النارنج والجوافة والبلح وقشر البر تقال !
بدخل فى اختصاصها - قواها الله - فجص البيض المعد للتفريخ ، فهى تمسك البيضة بين الابهام والسبابة ، وتقف فى مواجهة النافذة أمام الضوء ، ثم تنظر فى ركن البيضة بطرف عينها ، فاذا رأت علامة التخصيب على هيئة نقطة سوداء ضئيلة ، تهز رأسها ، أما اذا وجدتها رائقة ، فتعيدها لصاحبتها قائلة فى حزم : اقليها للعيال .
تكتب على غلاف النتيجة مواعيد فقس البيض لبط ودجاج واوز الجيران ، كما تكتب بداية حمل فلانة وفلانة ، لتنبهها عندما تقترب الولادة .
وفى مجال أمراض الأطفال ، فلها باع طويل ، ذكرنا مقدمة عنه فى الكرامات السابقة ، فربما اكتفت بالرقية ، أو تناولت شيئا من ذخائرها تقدمه للأم مع طريقة الاستعمال .
من مآثرها المعروفة أيضا ، مصالحة المتخاصمات مع ازواجهن ، ووعظهن بآيات وأحاديث وحكايات عن زوجات النبى والصالحين ، وعن نساء سمعت سيرتهن فى المذياع !
ورد الدين لمن تهورت فلطمت خديها ، قد يكون ذلك بسبب ر عونة الزوج أو شقاوة العيال أو تعصب وحمق الحماة ، وتعتبر من لطمت فى المنام قد لطمت فعلا ، ويجوز أن تتلو وراءها ! تحفظ صيغة رد الدين عن ظهر قلب وتؤكد ان شيخا كبيرا ذكرها فى اذاعة القرآن الكريم !
وهى ( تبت ورجعت وندمت على ما فعلت ، وعزمت فى قلبى عزما قويا ألا أعود أبدا ، أستغفر الله العظيم ، عشر مرات )
ذات يوم مرضت ، وارتقعت حرارتها ، ونامت تضع لبخة على جبينها من الخردل والشيح ، وجلست بجوارها ، فرن جرس الباب ، وحين خرجت وجدت سيدة أتت من عزبة بعيدة ، تلهث من التعب .
سألتنى عن أم سمير ، وفهمت أنها لطمت وتريد استرجاع دينها !
أشفقت على أمى وأفهمتها أنها مريضة ، فلم تتحرك وشعرت بمدى قلقها ، حيث فقدت أعز ما تملك !
لا أدرى كيف لمعت فى ذهنى تلك الفكرة الجريئة .
اننى أحفظ صيغة رد الدين من كثرة ما سمعتها ! ما المانع من ارضاء السيدة ؟
وبالفعل أجلستها فى غرفة الضيوف وبدأت أتلو بصوت مرتفع مقلدا طريقتها فى النبر والتنغيم !
لم أكد أكمل جملتين ، حتى فوجئت بأمى تقتحم الغرفة ، مستندة على عصاها ، وتقول بصوت مريض لكنه غاضب :
- هوا أنا بروح المدرسه ، وأدخل الحصة بدالك ؟
من كرامات أمى متعها الله بالصحة :
من كرامات أمى متعها الله بالصحة :
ومن ذلك أنها كانت تداوينا ابان طفولتنا بالمواد الطبيعية ، وتكرر أن الأدوية المخلقة كيميائيا ، تغير طبيعة الجسم وتضعفه !
العجيب أننى وأختى كنا نشفى بسرعة ، ولم تكن تصغى لالحاح أبى أن بذهب بنا الى الطبيب !
كان الماء بالملح علاجا للصداع ، تميلنا ثم يقطر بالقطارة فى الأذن ، وبعد دقيقة واحدة نشعر به يصدر صوتا عاليا كصوت البحر، نسكبه ساخنا يكاد يلسع .
والششم الأبيض علاج أمراض العين المختلفة ، النعناع المغلى ومسحوق
قشور الر مان للمغص ، والكركم للسخونة ، والسكر النبات لاحتقان الزور ، والليمون للاسهال ، وشربة زيت الخروع ، للامساك ، ومسحوق قشور البطيخ لدود الأمعاء ، والقرنقل لألم الأسنان واللثة !ووضع القدمين فى الماء الساخن للزكام !
عندما كبرنا ، أصبنا بالوسوسة ، وسيطر علينا الطب والتقدم العلمى ، فهجرنا صيدليتها العامرة ، المتناثرة تحت وسادتها وفوق الرفوف، وفى أحقاق مختلفة الأحجام والألوان !وحين يمرض أحد أفراد الأسرة نهرع الى الأطباء ، فتتهكم بهدوء قائلة : هيديكم مضاد حيوى يعطل المناعة !
تظل هى مر تبطة بتراثها ، وترفض بحزم أن يأتيها طبيب ، حتى بعد أن تخرجت ساره ابنتى فى كلية الطب ، لا تطيعها فى قياس الضغط والحرارة ، وتجذب شيئا من أحقاقها فتسفه مرددة : بسم الله الشافى المعافى. وتشفى على الفور !
ولعل القارئ العزيز يتساءل عن مصدر هذه العقاقير الخاصة ، فالحاج سيد الرشيدى يأتيها كل أسبوع معوضا ما نفد ، وهو يقف تحت نافذتها وينادى : ياحاجه أم سمير .
فتقف على سريرها وتتناول منه ذخائرها ، ثم تنظمها فى الأحقاق ، وتجلس راضية مبتسمة . ذات يوم عزمت على بيع البيت ، حيث راودنى حلم منذ فترة طويلة أن أمتلك بيتا بحديقة واسعة . ولما كاشفتها انخرطت فى البكاء ، واحتويتها فزعا : مالك يا أم سمير ؟
قالت من خلال دموعها : هتودينى فين ؟ ولما السيد يجى ينادى عليا
مين يرد عليه ؟
بارك الله فيك يأغلى الناس ، وأبقى بركتك وحنانك ، يغطيان البيت والشارع بل والقرية كلها .
ومن ذلك أنها كانت تداوينا ابان طفولتنا بالمواد الطبيعية ، وتكرر أن الأدوية المخلقة كيميائيا ، تغير طبيعة الجسم وتضعفه !
العجيب أننى وأختى كنا نشفى بسرعة ، ولم تكن تصغى لالحاح أبى أن بذهب بنا الى الطبيب !
كان الماء بالملح علاجا للصداع ، تميلنا ثم يقطر بالقطارة فى الأذن ، وبعد دقيقة واحدة نشعر به يصدر صوتا عاليا كصوت البحر، نسكبه ساخنا يكاد يلسع .
والششم الأبيض علاج أمراض العين المختلفة ، النعناع المغلى ومسحوق
قشور الر مان للمغص ، والكركم للسخونة ، والسكر النبات لاحتقان الزور ، والليمون للاسهال ، وشربة زيت الخروع ، للامساك ، ومسحوق قشور البطيخ لدود الأمعاء ، والقرنقل لألم الأسنان واللثة !ووضع القدمين فى الماء الساخن للزكام !
عندما كبرنا ، أصبنا بالوسوسة ، وسيطر علينا الطب والتقدم العلمى ، فهجرنا صيدليتها العامرة ، المتناثرة تحت وسادتها وفوق الرفوف، وفى أحقاق مختلفة الأحجام والألوان !وحين يمرض أحد أفراد الأسرة نهرع الى الأطباء ، فتتهكم بهدوء قائلة : هيديكم مضاد حيوى يعطل المناعة !
تظل هى مر تبطة بتراثها ، وترفض بحزم أن يأتيها طبيب ، حتى بعد أن تخرجت ساره ابنتى فى كلية الطب ، لا تطيعها فى قياس الضغط والحرارة ، وتجذب شيئا من أحقاقها فتسفه مرددة : بسم الله الشافى المعافى. وتشفى على الفور !
ولعل القارئ العزيز يتساءل عن مصدر هذه العقاقير الخاصة ، فالحاج سيد الرشيدى يأتيها كل أسبوع معوضا ما نفد ، وهو يقف تحت نافذتها وينادى : ياحاجه أم سمير .
فتقف على سريرها وتتناول منه ذخائرها ، ثم تنظمها فى الأحقاق ، وتجلس راضية مبتسمة . ذات يوم عزمت على بيع البيت ، حيث راودنى حلم منذ فترة طويلة أن أمتلك بيتا بحديقة واسعة . ولما كاشفتها انخرطت فى البكاء ، واحتويتها فزعا : مالك يا أم سمير ؟
قالت من خلال دموعها : هتودينى فين ؟ ولما السيد يجى ينادى عليا
مين يرد عليه ؟
بارك الله فيك يأغلى الناس ، وأبقى بركتك وحنانك ، يغطيان البيت والشارع بل والقرية كلها .
كر امة لأمى عافاها الله :
كر امة لأمى عافاها الله :
ومن ذلك أن الله استجاب دعاءها بأن يحبب فى خلقه ، حتى الحصى فى أرضه !
فقد كنا نقيم أمسيات وندوات فى بيت الثقافة ، ابان ولاية الأخ المستنير شريف قاقه . كان يحضرها جميعها رئيس المدينة المرحوم المهندس حمدى حجازى . هذا الرجل العاشق للأدب والثقافة ، جذبته نحوى دعوة أمى المتكررة ، فأعجب بأعمالى واتخذنى صديقا . كم جلست فى مكتبه أحدثه عن الكتب التى قرأتها ، وهو منبهر لا يحول عينيه الذكيتين عنى ! قال لى مرة : أنا أحسدك ، ليتنى كنت أديبا مثلك !
حين تنشر احدى الصحف قصة لى ، يستدعينى على الفور ، ويقدمنى لزواره من رجال النيابة والشرطة وكبار الموظفين ورجال الأعمال . صار هؤلاء يعرفوننى ، ويبتسمون ملوحين حين يقابلونى ، فاذا تصادف وقصدت احدى المصالح ، أجد أحدهم على رأسها ، ويهب مستقبلا اياى بترحيب حار ، صائحا أمام الجماهير : أهلا بالأديب الكبير !
ذات يوم قال لى المهندس حجازى : لماذا لا تجمع أعمالك فى كتاب ؟
خفضت رأسى ، ونظرت الى الأرض ، فأدرك ما أفكر فيه وقال على الفور : اكتب طلبا لنشر مجموعة قصص باسم رئيس جمعية استصلاح الأراضى ، وكان هو رئيسها أيضا .
ارتعشت يدى ، وكتبت أغرب طلب يمكن لأديب كتابته :
السيد رئيس جمعية استصلاح الأراضى بمطوبس ، أرجو التكرم بالموافقة على نشر مجموعتى القصصية ( اللافتات ) ولسيادتكم جزيل الشكر .
وأشر بقلمه الأخضر : يصرف له مبلغ .... لطباعة مجموعته القصصيه ، لأنه ظاهرة جديدة فى المركز ! واندهش المسئول المالى ، متسائلا : ماذا أكتب فى تسوية المبلغ ؟
وتسارعت الأمور بطريقة عجيبة ، وصارت اللافتات حقيقة واقعة ، تحمل فى صدرها اهداء : الى المهندس الأديب حمدى محمد حجازى ، تحية لدوره فى نشر المجموعة .
حملتها اليه ، ففرح أكثر منى ، ولما زرته بعد أيام ناقشنى فى كل قصة !
فى تلك الأيام ، حصل الكثيرون على أرض زراعية بالتقسيط المريح من الجمعية ، وكنت أرى الزوار يأتون من بلاد بعيدة، ليخرجوا ملاكا لمساحات واسعة . راودتنى نفسى أن أطلب سهما ، لكن أمى حذرتنى :
متبقاش طماع ، وان كان حبيبك عسل !
ودفنت رغبتى فى أعماقى ، ومرت الأيام ، حتى مرض المهندس حمدى ذات يوم وامتنع عن الذهاب الى العمل .
وحين ذهبت لزيارته ، وجدته يتألم بشدة وقد خسر الكثير من وزنه ، واعتصرنى الألم !
اعتصمت بالصمت والقلق ، لكنه فاجأنى بقوله : انت بعت سهمك بكام يا سمير ؟
واندفعت أقول : أنا مخدتش سهم يا ريس ؟
امتلأ وجهه بالدهشة ، وغمغم بعدة كلمات تفيد صدمته ، حيث تصور أنه أعطانى أرضا منذ وقت طويل !
نادى على معاونه ، وهمس فى أذنه بكلمات ، ثم قال لى : بكره تروح الجمعيه وتدفع مقدم السهم !
عشنا ليلة من البهجة فى بيتنا ، وبكت أمى كعادتها حين تفرح ، ورفعت يديها تدعو للرجل !
عندما ذهبت اتسلم الأرض ، كنت اول فرد فى عائلتى يتملك قطعة من لحم الوطن ، ربما منذ أجيال ! ووجدتنى جار ا لوزراء ولواءات شرطة ، وأساتذة جامعات وصحفيين ، تعرفت عليهم جميعا !
لازلت رغم مضى السنين ، أذكر هذا الرجل الذى ظلت صلتى به قائمة بعد احالته للمعاش ، فقد ترددت عليه كثيرا فى شقته بميامى بالاسكندرية ، وكان متابعا لأعمالى وأخبارى ، وكذلك نجلاه الحبيبان : أحمد ومحمود . المرة الأخيرة التى رأيته فيها ، كان يستعد للذهاب الى المستشفى ليخضع للغسيل الكلوى ! حزنت حزنا شديدا وأنا أحدق فى العينين الذكيتين ، الممتلئتين بالخوف والأسى ! جاءت النهاية سريعة ليغيب الموت نبيلا من النبلاء الذين دعت أمى ربها أن يحبونى .
ومن ذلك أن الله استجاب دعاءها بأن يحبب فى خلقه ، حتى الحصى فى أرضه !
فقد كنا نقيم أمسيات وندوات فى بيت الثقافة ، ابان ولاية الأخ المستنير شريف قاقه . كان يحضرها جميعها رئيس المدينة المرحوم المهندس حمدى حجازى . هذا الرجل العاشق للأدب والثقافة ، جذبته نحوى دعوة أمى المتكررة ، فأعجب بأعمالى واتخذنى صديقا . كم جلست فى مكتبه أحدثه عن الكتب التى قرأتها ، وهو منبهر لا يحول عينيه الذكيتين عنى ! قال لى مرة : أنا أحسدك ، ليتنى كنت أديبا مثلك !
حين تنشر احدى الصحف قصة لى ، يستدعينى على الفور ، ويقدمنى لزواره من رجال النيابة والشرطة وكبار الموظفين ورجال الأعمال . صار هؤلاء يعرفوننى ، ويبتسمون ملوحين حين يقابلونى ، فاذا تصادف وقصدت احدى المصالح ، أجد أحدهم على رأسها ، ويهب مستقبلا اياى بترحيب حار ، صائحا أمام الجماهير : أهلا بالأديب الكبير !
ذات يوم قال لى المهندس حجازى : لماذا لا تجمع أعمالك فى كتاب ؟
خفضت رأسى ، ونظرت الى الأرض ، فأدرك ما أفكر فيه وقال على الفور : اكتب طلبا لنشر مجموعة قصص باسم رئيس جمعية استصلاح الأراضى ، وكان هو رئيسها أيضا .
ارتعشت يدى ، وكتبت أغرب طلب يمكن لأديب كتابته :
السيد رئيس جمعية استصلاح الأراضى بمطوبس ، أرجو التكرم بالموافقة على نشر مجموعتى القصصية ( اللافتات ) ولسيادتكم جزيل الشكر .
وأشر بقلمه الأخضر : يصرف له مبلغ .... لطباعة مجموعته القصصيه ، لأنه ظاهرة جديدة فى المركز ! واندهش المسئول المالى ، متسائلا : ماذا أكتب فى تسوية المبلغ ؟
وتسارعت الأمور بطريقة عجيبة ، وصارت اللافتات حقيقة واقعة ، تحمل فى صدرها اهداء : الى المهندس الأديب حمدى محمد حجازى ، تحية لدوره فى نشر المجموعة .
حملتها اليه ، ففرح أكثر منى ، ولما زرته بعد أيام ناقشنى فى كل قصة !
فى تلك الأيام ، حصل الكثيرون على أرض زراعية بالتقسيط المريح من الجمعية ، وكنت أرى الزوار يأتون من بلاد بعيدة، ليخرجوا ملاكا لمساحات واسعة . راودتنى نفسى أن أطلب سهما ، لكن أمى حذرتنى :
متبقاش طماع ، وان كان حبيبك عسل !
ودفنت رغبتى فى أعماقى ، ومرت الأيام ، حتى مرض المهندس حمدى ذات يوم وامتنع عن الذهاب الى العمل .
وحين ذهبت لزيارته ، وجدته يتألم بشدة وقد خسر الكثير من وزنه ، واعتصرنى الألم !
اعتصمت بالصمت والقلق ، لكنه فاجأنى بقوله : انت بعت سهمك بكام يا سمير ؟
واندفعت أقول : أنا مخدتش سهم يا ريس ؟
امتلأ وجهه بالدهشة ، وغمغم بعدة كلمات تفيد صدمته ، حيث تصور أنه أعطانى أرضا منذ وقت طويل !
نادى على معاونه ، وهمس فى أذنه بكلمات ، ثم قال لى : بكره تروح الجمعيه وتدفع مقدم السهم !
عشنا ليلة من البهجة فى بيتنا ، وبكت أمى كعادتها حين تفرح ، ورفعت يديها تدعو للرجل !
عندما ذهبت اتسلم الأرض ، كنت اول فرد فى عائلتى يتملك قطعة من لحم الوطن ، ربما منذ أجيال ! ووجدتنى جار ا لوزراء ولواءات شرطة ، وأساتذة جامعات وصحفيين ، تعرفت عليهم جميعا !
لازلت رغم مضى السنين ، أذكر هذا الرجل الذى ظلت صلتى به قائمة بعد احالته للمعاش ، فقد ترددت عليه كثيرا فى شقته بميامى بالاسكندرية ، وكان متابعا لأعمالى وأخبارى ، وكذلك نجلاه الحبيبان : أحمد ومحمود . المرة الأخيرة التى رأيته فيها ، كان يستعد للذهاب الى المستشفى ليخضع للغسيل الكلوى ! حزنت حزنا شديدا وأنا أحدق فى العينين الذكيتين ، الممتلئتين بالخوف والأسى ! جاءت النهاية سريعة ليغيب الموت نبيلا من النبلاء الذين دعت أمى ربها أن يحبونى .
احدى كرامات أمى أطال الله بقاءها
احدى كرامات أمى أطال الله بقاءها :
ومن ذلك أننى مررت عليها ذات صباح قبل التوجه الى عملى ، فقالت من خلال ابتسامتها المحملة بالحكمة والحنان :
- سمعت فى الراديو عن مسابقة فى القصة وجايزتها ألف جنيه .
كنا فى مطلع الثمانينات ، والألف جنيه مبلغ ترنو اليه الأبصار !
لما استفسرت منها عن طبيعة وجهة المسابقة ، أفهمتنى أنها عن قصة تعالج فكرة تنظيم الأسرة ، وانها كتبت العنوان الذى ترسل اليه ، وموعد الارسال وظهور النتيجة !
قلت لها بطيش أديب شاب ، ممتلئ بالحماسة : - معرفش اكتب عن شئ محدد ؟ كده هيكون موضوع تعبير ، مش قصة !
عادت الابتسامة الحكيمة الحانية ، وقالت بهدوء وثقة كمن يقرأ المستقبل :
- اكتب قصة فلان زميلك !
أضيئت ورشة الابداع التى كانت مغلقة ، وومضت بمئات الأفكار والمسارات فى لحظة واحدة . فلان هذا ترك المدرسة وتزوج ، ثم أنجب خمسة ، وعندما تزوجت أنا ، كانت زوجته قد انهكت وتزوج بأخرى ، لينجب ثلاثة أبناء !
رددت عليها بايماءة ، وانصرفت ، والقصة تتكون بداخلى . أشعر بها نقطة صغيرة ، تنمو كلما تقدم النهار ، حتى عدت وقد صارت واقعا ، يحتاج فقط الى لمسات واضافات .
فى المساء جلست معها ، وحدثتها عما أشعر به ، ووضعت أمامها الخيوط العريضة ، فشجعتنى ، ودعت لى بحرارة .
لم تمض أيام حتى ولدت القصة ، وأصبحت ثمانيى صفحات مرتبطة بدبوس !
أذكر أننى قرأتها لها بعد صلاة الجمعة ، فأعجبتها ، وأمسكت الأوراق ترقيها ، كما تفعل معى !
أرسلتها الى الجهة المنظمة ، ومر نحو شهر ، نسيت فيه الأمر كله ! لكن موظف البريد نادانى وسلمنى خطابا ، عليه رمز تلك الجهة !
قبل أن أفتح الخطاب ، تساءلت : لم يحن موعد اعلان النتيجة بعد ، فماذا يحوى الخطاب ؟
وكانت كلماته تحمل مفاجأة : السيد ... نشكركم للمشاركة ، لكنكم لم تتبعوا اجراءات المسابقة ، وهى ارفاق حوالة بمبلغ خمسة جنيهات رسوم الاشتراك !
هرولت نحو حجرة أمى ، كان الراديو على أذنها تسمع نادية صالح فى مكتبة فلان ، بادرتنى : - تعال اسمع ، ناديه صالح فى مكتبة صلاح عبد الصبور !
لم أستطع اخفاء انزعاجى ، قالت : - مالك ؟
قدمت لها الخطاب ، فتغير وجهها ، وبدت كمن يشعر بالذنب : - والله يا ابنى ما سمعت حكاية الرسوم دى ؟
ابتسمت ، وهونت عليها قائلا : مفيش نصيب !
ووجدتها تتجلى ، كما تفعل فى المواقف الصعبة هاتفة : - مكنش فى واحد ابن حلال يدفعهم لك ؟
وضحكت بصوت عال !
مر الوقت ، ولكن الموقف لم يختف من عقلى ، كنت أشعر أن له بقية ، وبالفعل ، جاءت البقية بعد شهر ، خطاب آخر يحمل نفس الرمز !
السيد ..... يسر .... ان تهنئكم بفوز قصتكم .... بالمركز الأول ، ويسرنا حضوركم لتسلم الجائزة يوم .... بمقر ....
احتضنتها قائلا من خلال دموعى : فزت يا أمى .
وبكت كثيرا بصمت ونورانية ، ثم قالت : دعيت لك كتير ! كنت مستخسره القصة !
وفى اليوم الموعود ، ارتديت بدلة فرحى ، واستدعيت صديقا يربط لى ربطة العنق ، وذهبت الى القاهرة الواسعة . كنت أريد أن أخبر المارة بما حدث ، لكننى كتمت انبهارى وانفعالى ، فكنت أنتفض .
فى الحفل دخلت فى زحام شديد ، وجلست منكمشا ، حتى نودى فى مكبر الصوت على الفائزين ليوقعوا قبل تسلم الجوائز . فى تلك الحظة التى مددت يدى لأوقع ، وجدت يدا توقفنى ، وعينين ترمقانى بدهشة : سمير المنزلاوى ؟
قلت بسرعة : نعم !
خفت ان يكون ثمة خطأ ، وان قصتى لم تفز ، لكن الرجل الأنيق الهادئ ، واجهنى بابتسامة ود واسعة ، وقال : - هات خمسه جنيه ؟
نظرت اليه حائرا ، فعاد يضحك وقال : - قصتك استبعدت عشان الرسوم ، لكن انا قريتها وعجبتنى جدا ، فدفعت لك !
امتدت يدى الى جيبى تلقائيا ، لكنه منعها وقال : أتا بضحك معاك ، دى هدية من معجب ، وان شاء الله هتابع أعمالك ودا الكارت بتاعى .
بعد انتهاء المراسم ، خرجت الى الشارع ، وصوت أمى يغطى على أصوات البشر وأبواق السيارات : مكنش فى واحد ابن حلال يدفعهم لك ؟
ومن ذلك أننى مررت عليها ذات صباح قبل التوجه الى عملى ، فقالت من خلال ابتسامتها المحملة بالحكمة والحنان :
- سمعت فى الراديو عن مسابقة فى القصة وجايزتها ألف جنيه .
كنا فى مطلع الثمانينات ، والألف جنيه مبلغ ترنو اليه الأبصار !
لما استفسرت منها عن طبيعة وجهة المسابقة ، أفهمتنى أنها عن قصة تعالج فكرة تنظيم الأسرة ، وانها كتبت العنوان الذى ترسل اليه ، وموعد الارسال وظهور النتيجة !
قلت لها بطيش أديب شاب ، ممتلئ بالحماسة : - معرفش اكتب عن شئ محدد ؟ كده هيكون موضوع تعبير ، مش قصة !
عادت الابتسامة الحكيمة الحانية ، وقالت بهدوء وثقة كمن يقرأ المستقبل :
- اكتب قصة فلان زميلك !
أضيئت ورشة الابداع التى كانت مغلقة ، وومضت بمئات الأفكار والمسارات فى لحظة واحدة . فلان هذا ترك المدرسة وتزوج ، ثم أنجب خمسة ، وعندما تزوجت أنا ، كانت زوجته قد انهكت وتزوج بأخرى ، لينجب ثلاثة أبناء !
رددت عليها بايماءة ، وانصرفت ، والقصة تتكون بداخلى . أشعر بها نقطة صغيرة ، تنمو كلما تقدم النهار ، حتى عدت وقد صارت واقعا ، يحتاج فقط الى لمسات واضافات .
فى المساء جلست معها ، وحدثتها عما أشعر به ، ووضعت أمامها الخيوط العريضة ، فشجعتنى ، ودعت لى بحرارة .
لم تمض أيام حتى ولدت القصة ، وأصبحت ثمانيى صفحات مرتبطة بدبوس !
أذكر أننى قرأتها لها بعد صلاة الجمعة ، فأعجبتها ، وأمسكت الأوراق ترقيها ، كما تفعل معى !
أرسلتها الى الجهة المنظمة ، ومر نحو شهر ، نسيت فيه الأمر كله ! لكن موظف البريد نادانى وسلمنى خطابا ، عليه رمز تلك الجهة !
قبل أن أفتح الخطاب ، تساءلت : لم يحن موعد اعلان النتيجة بعد ، فماذا يحوى الخطاب ؟
وكانت كلماته تحمل مفاجأة : السيد ... نشكركم للمشاركة ، لكنكم لم تتبعوا اجراءات المسابقة ، وهى ارفاق حوالة بمبلغ خمسة جنيهات رسوم الاشتراك !
هرولت نحو حجرة أمى ، كان الراديو على أذنها تسمع نادية صالح فى مكتبة فلان ، بادرتنى : - تعال اسمع ، ناديه صالح فى مكتبة صلاح عبد الصبور !
لم أستطع اخفاء انزعاجى ، قالت : - مالك ؟
قدمت لها الخطاب ، فتغير وجهها ، وبدت كمن يشعر بالذنب : - والله يا ابنى ما سمعت حكاية الرسوم دى ؟
ابتسمت ، وهونت عليها قائلا : مفيش نصيب !
ووجدتها تتجلى ، كما تفعل فى المواقف الصعبة هاتفة : - مكنش فى واحد ابن حلال يدفعهم لك ؟
وضحكت بصوت عال !
مر الوقت ، ولكن الموقف لم يختف من عقلى ، كنت أشعر أن له بقية ، وبالفعل ، جاءت البقية بعد شهر ، خطاب آخر يحمل نفس الرمز !
السيد ..... يسر .... ان تهنئكم بفوز قصتكم .... بالمركز الأول ، ويسرنا حضوركم لتسلم الجائزة يوم .... بمقر ....
احتضنتها قائلا من خلال دموعى : فزت يا أمى .
وبكت كثيرا بصمت ونورانية ، ثم قالت : دعيت لك كتير ! كنت مستخسره القصة !
وفى اليوم الموعود ، ارتديت بدلة فرحى ، واستدعيت صديقا يربط لى ربطة العنق ، وذهبت الى القاهرة الواسعة . كنت أريد أن أخبر المارة بما حدث ، لكننى كتمت انبهارى وانفعالى ، فكنت أنتفض .
فى الحفل دخلت فى زحام شديد ، وجلست منكمشا ، حتى نودى فى مكبر الصوت على الفائزين ليوقعوا قبل تسلم الجوائز . فى تلك الحظة التى مددت يدى لأوقع ، وجدت يدا توقفنى ، وعينين ترمقانى بدهشة : سمير المنزلاوى ؟
قلت بسرعة : نعم !
خفت ان يكون ثمة خطأ ، وان قصتى لم تفز ، لكن الرجل الأنيق الهادئ ، واجهنى بابتسامة ود واسعة ، وقال : - هات خمسه جنيه ؟
نظرت اليه حائرا ، فعاد يضحك وقال : - قصتك استبعدت عشان الرسوم ، لكن انا قريتها وعجبتنى جدا ، فدفعت لك !
امتدت يدى الى جيبى تلقائيا ، لكنه منعها وقال : أتا بضحك معاك ، دى هدية من معجب ، وان شاء الله هتابع أعمالك ودا الكارت بتاعى .
بعد انتهاء المراسم ، خرجت الى الشارع ، وصوت أمى يغطى على أصوات البشر وأبواق السيارات : مكنش فى واحد ابن حلال يدفعهم لك ؟
أمـــــــــــى
أمى - رغم تقدمها فى السن - ، لا زالت تملك وعيا عاليا ، يضيف لى الكثير ، ويطفئ حرائق تشتعل فى نفسى تكاد تدمرها ! ذات مرة كنت أنتظر صدور روايتى ( موسم الرياح ) فى سلسلة أصوات أدبية التى كان يشرف عليها الروائى الكبير محمد البساطى . فوجئت بأخى القاص شحاته العريان مدير التحرير آنئذ ، يتصل ليخبرنى أن الرواية ضاعت من المطبعة ، ولا بد من نسخة أخرى فورا ! ما أسهل أن أنخرط فى البكاء ، حين أفقد الحيلة ! يكون النشيج على حجر أمى حبيبتى ! وتولد ابتسامتها وسط المحنة ، ويأتى صوتها كالماء العذب البارد لانسان ضل فى الصحراء ، وتشقق حلقه من العطش ! قالت وهى ترقينى وتمسد جسدى كالمعجزة :
- مش انت مدرس انجليزى قد الدنيا وليك مرتب ؟ الكتابه دى هوايه ؟ يعنى ميصحش تزعلك ، قوم اكتب ، وانا معاك للصبح .
فتحت مذياعها الصغير ، الذى استمعت فيه الى نجيب محفوظ ذات ليلة يذكرنى ويمدح قصة لى نشرت فى ابداع القديمة ، أيام الدكتور القط رحمه الله . كان الراديو يذيع أغنية : ر ق الحبيب ! ونهضت أبحث عن أوراق متناثرة للر واية ، وصممت أن أكتبها كأنها جديدة لم تولد بعد .
وحدت الأحداث تتراقص أمامى ومثلها معها ، وشعرت بمتعة حقيقية أنستنى كل ما حولى . كانت الساعة قد جاوزت الواحدة ، ويد أمى لا زالت ترقينى فى طقس لا يتوقف ، ولا يعرف التعب . بعد قليل رن الهاتف ، وردت هى ، ثم أعطتنى المسماع مبتهجة ، كان أحد موظفى المطبعة يبشرنى بالعثور على الرواية ، وبأن العجلات دارت فعلا لتطبعها ! كانت احدى كرامات أمى التى دائما تحول المحن الى مباهج ، ولا زالت ثمة كرامات أخرى ، سوف أثبتها تباعا ، متعها الله بالصحة والعافية وأدام ظلها الظليل فى بيتنا ، وكل عام وانتم بخير .
- مش انت مدرس انجليزى قد الدنيا وليك مرتب ؟ الكتابه دى هوايه ؟ يعنى ميصحش تزعلك ، قوم اكتب ، وانا معاك للصبح .
فتحت مذياعها الصغير ، الذى استمعت فيه الى نجيب محفوظ ذات ليلة يذكرنى ويمدح قصة لى نشرت فى ابداع القديمة ، أيام الدكتور القط رحمه الله . كان الراديو يذيع أغنية : ر ق الحبيب ! ونهضت أبحث عن أوراق متناثرة للر واية ، وصممت أن أكتبها كأنها جديدة لم تولد بعد .
وحدت الأحداث تتراقص أمامى ومثلها معها ، وشعرت بمتعة حقيقية أنستنى كل ما حولى . كانت الساعة قد جاوزت الواحدة ، ويد أمى لا زالت ترقينى فى طقس لا يتوقف ، ولا يعرف التعب . بعد قليل رن الهاتف ، وردت هى ، ثم أعطتنى المسماع مبتهجة ، كان أحد موظفى المطبعة يبشرنى بالعثور على الرواية ، وبأن العجلات دارت فعلا لتطبعها ! كانت احدى كرامات أمى التى دائما تحول المحن الى مباهج ، ولا زالت ثمة كرامات أخرى ، سوف أثبتها تباعا ، متعها الله بالصحة والعافية وأدام ظلها الظليل فى بيتنا ، وكل عام وانتم بخير .
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى