عزبة سمير المنزلاوى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ذكريات منية المرشد الجميلة

اذهب الى الأسفل

ذكريات منية المرشد الجميلة  Empty ذكريات منية المرشد الجميلة

مُساهمة من طرف samir elmanzlawy الإثنين فبراير 08, 2016 9:01 pm

من ذكريات منية المرشد الجميلة ، قدوم زوار سيدى محمد المرشدى قطب القرية ، لزيارة ضريحه من بلاد مختلفة ، قريبة وبعيدة : شباس الشهداء ، صيفر البلد ، صيفر البرية ، جماجمون ، كفر ابراهيم ، اريمون . كنا نسمع من هؤلاء القادمين أسماء بلادهم ، التى لم نرها ، ولا نعرف مواقعها . نتعجب ، لماذا يأتون ويتحملون المشقة ، فى القطارات والسيارات والمراكب وعلى ظهور الحمير؟
نحن جيران المرشدى لا نكاد ندخل ضريحة ، يردون علينا باجابات عجيبة ، لم تكن تقنعنا ، بقدر ما تدهشنا ، امرأة ارتفعت درجة حرارة ابنها الوحيد واشرف على الهلاك ، دون ان يفلح الطب فى علاجه ، فنذرت أن تزور المرشدى فى موسم الزيارة الذى يبدأ عقب شتل الأرز ، وانتهاء العمل فى الحقول ، وتؤكد المرأة الطيبة أن الولد شفى ، فجاءت توفى نذرها! ورجل ضاع منه مبلغ فى السوق ، فجاءه المرشدى مناما ، وقال له ستجد المال وتزورنى ، وفعلا يجد ضالته عند أحد الأمناء الذى وجده ملقى تحت الأقدام. العجيب أن الأعداد كانت بالآلاف ، وكانوا ينامون فى الشوارع ، وتقام سرادقات الغناء والذكر . تعيش منية المرشد ثلاثة أيام كأنها أعياد ، ونشأ ت علاقات وطيدة بين الاهالى والضيوف . لم تكن ثمة هواتف يتواصلون من خلالها ، فكان الشوق ينمو ويترعرع خلال العام ، ثم يهلون ، فتتلقاهم الأحضان ، ويلتئم الجميع مرة أخرى فى جسد واحد ، بقلب كبير واحد ، ينبض بالمحبة . رأيت أعينا تفيض بالدمع ، وحلوقا تغص باليكاء ، لأن أحد الأحبة غاب عن موعده ، وعرفوا ان الموت منعه من القدوم . ظل الزوار علامة من علامات الزمن ، ننتظرهم بشغف ، وتمتلئ الشوارع بروائحهم ، وأطعمتهم ، وملابسهم ولغتهم المميزة . لكن الشيطان كره هذا الموسم من العشق ، ونفخ ضيقا فى الصدور ، فاشتعلت معركة لسبب تافه ، مات فيها أحد الغرباء . هكذا اصطبغ الطقس بالدم ، وغشيته الكآبة ، وتقلص الحضور ، فأصبح شراذم من هنا وهناك ، تأتى وتغادر بسرعة فى نفس اليوم . ظهرت الجماعات الاسلامية فى بداية السبعينات ، وركز رجالها على تحريم زيارة الأضرحة ، لأنها شرك ، وبدأ الطلاب المنضمون اليها يمنعون اهلهم من القدوم ، فاختفوا تماما ، ولم نعد نرى المهرجان السنوى الذى كان يمثل رواجا تجاريا وكرنفالا شعبيا ، وسبحان من له الدوام . مساء الخير عليكم جميعا

samir elmanzlawy
Admin

المساهمات : 181
تاريخ التسجيل : 07/02/2016

https://samirelmanzlawy.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

ذكريات منية المرشد الجميلة  Empty رد: ذكريات منية المرشد الجميلة

مُساهمة من طرف samir elmanzlawy الإثنين فبراير 08, 2016 9:02 pm

فى زمن الصبا الجميل الهادئ ، كنت أرى فى المحلات والمقاهى والبيوت ، لوحات صغيرة من الحكم والأحاديث والشعر ، مكتوبة بخط رائع . حفظت معظمها وتعلمت منه الكثير ، لأنه كان يعبر عن خلاصة التجربة الانسانية فى هذا الوقت وعن الروح الدينية والأخلاقية السارية فى كل شئ . من العبارات التى لا زلت أحفظها : سأصبر حتى يعجز الصبر عن صبرى ، وأصبر حتى يحكم الله فى أمرى ، وأصبر حتى يعرف الصبر ، أننى أصبر على شئ أمر من الصبر ! أيضا كانت احدى اللوحات تقول : العلم يبنى بيوتا لا عماد لها ، والجهل يهدم بيوت العز والشرف ، منها كذلك : شكوت الى وكيع سوء حفظى فأرشدنى الى ترك المعاصى ، وأخبرنى بأن العالم نور ونور الله لا يهدى لعاصى . أذكر أيضا : دع الأيام تفعل ما تشاء ، وطب نفسا اذا حكم القضاء ، ولا تجزع لحادثة الليالى ، فليس لحوادث الدنيا بقاء ، ومثلها : ولرب نازلة يضيق بها الفتى ذرعا ، وعند الله منها المخرج ، ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت ، وكنت أظنها لا تفرج ! وأخيرا : اذا دعتك قدرتك على ظلم الناس ، فتذكر قدرة الله عليك ، رأس الحكمة مخافة الله . ولا زلت أتخيل أماكن كل لوحة ، ولونها ، والمشاعر التى كانت تحركها فى داخلى . تحضرنى طرفة متعلقة باللوحات والخط ، حيث أحضر المرحوم الحاج محمد المكى خطاطا من رشيد ، ضمن تجديدات المحل ، فزينه بكتابات من خط الثلث ، وتفنن الرجل فى تعشيق الحروف وتدويرها ، بحيث عجزت عن قراءتها فى سن مبكرة ، أيام الدراسة الابتدائية ، ولاحظ الحاج محمد انشغالى أثناء الحلاقة بالتحديق فى اللوحات الحائطية العسيرة . ابتسم بحنان وقال لى مطمئنا :
- ان بعض طلاب الثانوى لا يمكنهم قراءتها .
ثم فسر لى عجائب الحروف المتداخلة فاذا احدى اللوحات : هذا من قضل ربى ، والثانية : انا فتحنا لك فتحا مبينا ، والثالثة التى تشغل نصف الحائط : الخط يبقى سنينا بعد كاتبه ، وكاتب الخط تحت التراب مدفون ، ثم توقيع الخطاط الماهر : سعيد بمدينة رشيد . وعن عجائب الكلمات التى كانت تتخذ تسلية قبل التلفاز ، تلك التى تقرأ من اولها مثلما تقرأ من آخرها : كشك ، وكانت هناك جمل كاملة تقرأ من الأمام والخلف : قلع مركب ببكر معلق . وقد تحدانى جدى رحمه الله ان اكتب : اللؤلؤ يتلأ لأ . وكتب لى أحد زملائى : حتتتتوه . وتفسيرها حتت أى مناطق ، تتوه ، اى يتوه فيها الانسان ، رحم الله أيام البراءة والثقافة البسيطة العميقة ، والبشر الذين كانوا يبدعون لله وللوطن ، دون من ولا أذى . مع تحياتى

samir elmanzlawy
Admin

المساهمات : 181
تاريخ التسجيل : 07/02/2016

https://samirelmanzlawy.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

ذكريات منية المرشد الجميلة  Empty رد: ذكريات منية المرشد الجميلة

مُساهمة من طرف samir elmanzlawy الإثنين فبراير 08, 2016 9:03 pm

ان فى قريتنا كتاب فى الستينات ، بمسجد سيدى جابر . وكان ا لمرحوم الشيخ عبد المنعم سلام ، يقوم بتحفيظنا . نحمل فى الصباح جزء عم ولوح اردواز ، ونذهب ، فتهب علينا رائحة من العطر والبهارات والعرق ، وترتفع أصواتنا مرددة قصار السور ، حتى آذان الظهر ، فنحرج للغداء . حفظت عم وتبارك وبدأت فى جزء قد سمع ، لكننى ضقت بالكتاب ، لأن بعض الغلمان الكبا ر ، وجدوتى صغيرا ، ضعيفا ، فجعلوا تسليتهم ضربى ، وصرت أعود بأنفى نازفا وخدى ممزقا ، فمنعتنى أمى من الذهاب ! وكدت أنسى ما حفظته ، حتى ذهبت أحضر التموين لجدتى ، وكلن تاجر التموين هو نفسه الشيخ عيد المنعم . ما ان رآنى حتى قال لى مندهشا :
- تترك الكتاب و أنت أشطر واحد فيه ؟
صدم قوله عقلى ، وشعرت أنى أضعت فرصة ثمينة ، واننى كنت متفوقا ، حيث لم يسبق لأحد أن أخبرنى بذلك !
عدت فى الصباح الى الجزء واللوح ، لكننى فى هذه المرة ، كنت حريصا ، فما ان يحاول أحد الكبار ضربى ، حتى أصبح و أجرى الى الشيخ ، فيحضره ، ويجعل العامل يمسكه ، ثم ينهال على قدميه ، حتى يشق صراخه أجواز الفضاء . استرحت من الحماقات ، وشعرت بالفخر الشديد حين بدأت فى سورة البقرة .

samir elmanzlawy
Admin

المساهمات : 181
تاريخ التسجيل : 07/02/2016

https://samirelmanzlawy.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

ذكريات منية المرشد الجميلة  Empty رد: ذكريات منية المرشد الجميلة

مُساهمة من طرف samir elmanzlawy الإثنين فبراير 08, 2016 9:06 pm

كلما ذهبت للتوجيه فى معهد قرية العظمة ، أحرص على الجلوس مع عامل ، يفيض حكمة وروعة ، كأنه قضى عمره يدرس فى أعلى الجامعات ! انه الحاج محمد بدر . فى اللقاء الأخير منذ أيام ، ابتسم حين رآنى ، وقال : جهزت لك حكاية ستعجبك . ثم بدأ يحكى :
تفابل رجلان ، فسأل أحدهما الآخر : كم سنك ؟
فأجابه : اننى أتمتع بصحة جيدة .
عاد يسأله :
- هل لديك رصيد معقول من المال ؟
فأجابه :
- لست مدينا لأحد !
أما السؤال الثالث والأخير ، فكان :
- هل لك أعداء؟
قال له :
- ليس لى أقارب .
بدأ عم محمد يشرح كل سؤال وجواب ، بحماسة وتدفق ، وكانت جلسة طيبة ، مثمرة ، مثل كل جلساته .
تحية للرجل المحترم شيخ العرب ، ولكل العاملين فى معهد الغظمة .

samir elmanzlawy
Admin

المساهمات : 181
تاريخ التسجيل : 07/02/2016

https://samirelmanzlawy.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

ذكريات منية المرشد الجميلة  Empty رد: ذكريات منية المرشد الجميلة

مُساهمة من طرف samir elmanzlawy الإثنين فبراير 08, 2016 9:18 pm

كان الحزن فى منية المرشد فى الستينات ـ عنيفا ، مفزعا . وهيمنت طقوس الموت المقبضة على كل شئ فى القرية . لم يكن ثمة مكبرات للصوت تذيع أنباء الوفاة ، النساء يقمن بالدوران حول البلدة ، نائحات ، وملطخات الوجه ، كاعلان عن موت رجل أو امرأة . لم يكن يمضى يوم دون ان نستيقظ على الصراخ والنحيب ، الذى يستمر أياما طويلة . تبدأ مراسم التجهيز بالغسل والتكفين ، قيما يتطوع البعض بتزيين النعش الخشبى الملقى فى المسجد ، فتخشى الاقتراب منه ! اذا كان الميت رجلا ، يوضع طربوش على رقبة النعش ، أما الأثثى ، فتوضع لها مدورة أو ايشارب . وكان للنعش أغطية خضراء وبيضاء ، يتبرع بها القادرون ! فى أثناء الجنازة ، ترى شخصا أو أكثر منهارين ، يسندهم المعزون ، ترتفع الصرخات المشحونة بالألم والحسرة :
- رابح فين يا غالى وسايبنا .
- سلم لى على أبويا يا فلان .
هذا فضلا عن صيحات النساء التقليدية التى تخلع القلب من مكانه !
يتوقف نشاط الحى الخاص بالميت تماما ، فلا طبيخ ولا غسيل ولا ضحك ولا لغط ، حتى الكتاكيت لا يجوز اطلاقها أمام الأبواب ! تبقى النسوة غاطسات فى السواد شهورا ، ومن تخلعه ، تعد مارقة وتصنف ضمن الأعداء الشامتين ! الرجال يجلسون فى المأتم ، وهو قسم فى منزل آل عطا الله ، وهبوه للعزاء . كان بالقرية مقرآن للقرآن الكريم ، لكل منهما زبائنه , فى وقت الغداء ، تأتى الصوانى من جميع المنازل . فى اليوم التالى ولمدة اسبوع ، تفتح المنادر لمن تخلف !
يوم الخميس ، تمتلئ المقابر بالزائرات الباكيات الشاكيات ، وتسرد سير الراحلين ، وفداحة فقدهم ! تعمر المقابر أيضا فى الاعياد والمواسم ، الى حد أن الصيادين كانوا يقيمون لنسائهم سرادقات مسقوفة بأشرعة المراكب ، ليقضين فيها ليلة مع الأحباب ، يحدثوهم ويخففون من همومهن !
الآن صار الحزن رومانسيا ، فالاعلان يتم بمكبر الصوت ، بكلمات حيادية محفوظة ، لا سبيل الى تغييرها ، ولابد أن تنتهى بعبارة : من كان راغبا فليحضر وله من الله الأجر والثواب ، مع ان الأمر لا يحتاج الى بيان ، فلن يحضر الا من يرغب ، لكنها العادة والمحافظة على المألوف . تتم عملية الغسل والتكفين فى صمت تام ، لا تسمع لاغية ، واذا حدث وصاحت امرأة ، أو بكى رجل ، فان أكثر من منطوع يزجره :
- خليك عاقل ، واذكر الله . حرام عليك !
تسير الجنازة فى صمت يقطعه احيانا بعض الهمس ، فالبعض بجدها فرصة لمقابلة شريك أو صديق أو مدين ، وتدور مناقشات منخفضة ، قد ترتفع أحيانا ، بلا أى تحفظ !
النعش اصبح من الالوميتال ، وليس له رقبة للطربوش أو الايشارب ، كما اختفت الاغطية الحريرية ، واصبح بعض السلقيين يضع الميت مكشوفا ـ والباقون يغطونه ببطانية ! يسير الجميع حتى المقابر ، لكنها ليست مقابر زمان التى يحفر ساعتين للوصول الى بابها ، لدرجة ان الهابطين مع الحثة لا يكادون يظهرون لنا ! المقابر الآن سطحية ، نرى أبوابها ، كأنها أبواب البيوت ، وغالبا تهب علينا روائح التحلل ، كلما تغير اتجاه الريح ! ينتهى الأمر بالدفن ويصيح كبير الاسره : شكر الله سعيكم ، العزاء قاصر على تشييع الجنازة . ويقف الاقربون حائرين ، قيقول كبيرهم بملل :
- اتفضلوا ، كل واحد يشوف شغله !
ألغيت زيارة الخميس تقريبا ، وكذا المبيت فى الاعياد، واصبح الموت طبيعيا ، تمارس بعده جميع الأعمال ، بل ويختفى لون الحداد بعد اسبوع على الأكثر ، وتفتح التليفزيونات وترتفع الأصوات بكل بساطة ! شاخ الحزن ، ولم تعد له سطوته القديمة ، ولم تعد المقابر أماكن للخوف والجن والفزع ، فقد زحفت البيوت حولها وامتلأت بالأطفال والكبار ، يجلسون فوقها ، وينشرون الملابس والاغطية ، وفى الليل تضاء بالكهرباء ، فتبدو حيا من الأحياء ، يموج بالحركة !

samir elmanzlawy
Admin

المساهمات : 181
تاريخ التسجيل : 07/02/2016

https://samirelmanzlawy.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى