عذاب المجئ
صفحة 1 من اصل 1
عذاب المجئ
هذه قصة كتبتها منذ فترة طويلة ، لكننى احبها واهديها لكم بمناسبة العيد ، تفضلوا
عذاب المجئ
ذات يوم حار ، طالت رحلة جدي بين البلاد . وضع مقطف المحار بين ساقيه ، وجلس يجفف عرقه ، ويفرد ظهره المتكلس وقدميه المليئتين بالنمل .
النهار يعدو ، ولا مفر من المواصلة حتى يفرغ المحار !
قام كما جلس ، وانحنى ليخفف الألم .
انتهت به الطريق إلى حائط من الغاب ، يكتظ بالعناكب الكامنة،
وأعشاش الأوابد التي تشقشق صغارها ،تستعجل الطعام .
مرق من إحدى الفرج ، فوجد نفسه داخل قرية كبيرة .
وقف وسط السوق ونادي بصوته الرخيم الذي يشبه صوت القمري .
نفد المحار في دقائق ، وتهيأ للعودة ، لكنه سمع صياحا ، ولمح عراكا في أقصى الساحة.
نازعته نفسه أن يتريث ويستطلع .
ثمة عروس تبهر الناظرين ، بفستان رائع ، لم ير له مثيلا !
تلمع فيه نجوم ذهبية تخطف الأبصار ، والطرحة من الحرير الدمشقي الأبيض ، الموشوم بصور الملائكة .
كانت تبكى في خفر ، ويتساقط دمعها كالندى عندما يسقط فوق الوردة في الفجر.
العريس المسربل بالصوف التنيسى ، عائم في عرقه وقنوطه .
نسى ظهره المتكلس وقدميه المليئتين بالنمل ، والنهار المغادر ، والظلام المتسلل والمقطف الفارغ .
أدرك بذكائه القديم المأزق الذي وقع فيه العروسين .
باب الدار منخفض ، والعروس فارعة ، والعريس حائر ، وشيخ القرية شبيه الذئب ، أصدر فتواه :
- ليهدم الباب ، أو تذبح الفارعة !
تقدم جدي ، وصعد فوق صخرة ، ثم ضغط رقبة العروس فانحنت .
دفعها في ظهرها بعزمه ، لتتدحرج وسط الدار كالكرة !
تعالى الصياح والهتاف ، وقال شيخ القرية شبيه الذئب :
- أنت حكيم .
أعطى توا منزل ، له حديقة ، وبغل وجراية من عشرين رغيفا منخولا ، وثلاثين بيضة نيئة ، وزوجين من الدجاج وفخذ خروف ، ورطلين من ماء الورد ، ومنقوع الزبيب ، و أوقية شاي ناعم ، وعشر أوقيات من التمباك .
خلال ثلاثة شهور ، تجلت حكمته كثيرا ، فمنعهم من أكل الكلاب ، وشرب لبن الحمير ، والنوم في الشوارع !
لذا عارضوا نيته في زيارتنا ، حيث برح به الشوق لجدتي ولأبى ولى .
أقنعهم أن ثمة ديون يلزمه سدادها ، حتى لا يقال فر من إرجاع الحقوق إلى أصحابها .
اشترطوا عليه أن يصحبه خمسة رجال!
تقدم القافلة على صهوة بغل ، لا يصهل ولا ينهق !
مأكوله اللوز والجوز وحب الرمان .
وقف به أمام بيتنا ، بلا إرشاد ، خرجنا نستقبله ، هز البغل رأسه فصلصل الجرس الذهبي وقال جدي له :
- هذه أسرتي يا قمر .
فعاود هز الرأس .
كانت وراءه قافلة من الحمير ، محملة بخيرات الله . بعد العناق والقبل ، رفض النزول وقال والدموع تجرى في عينيه :
- سأزوركم في الربيع .
انصرمت الفصول ، ولمحت جدتي الرياح تعول في الباب ، وتصفق على مصاريع النوافذ ، وتسقط أوراق الشجر، وتلسع قلبها بعنف .
أعطت أبى مقطفا مليئا بالمحار .
سار في نفس الطريق ، وانحنى ليخفف الألم ، ثم دخل من نفس الفرجة في حائط الغاب ، حيث العناكب ، والأوابد .
جاس خلال القرية ، حتى لمح أحد الأتباع الخمسة . جلس بجواره سائلا في لوعة :
- أين سيدك يا بدر؟
انخرط الرجل في بكاء مر ، وصحبه إلى داره .
حكي له أنه كان يشم رائحة منتنة عند هبوب الريح من الشمال ، حرمته النوم والطعام ، وصار يقئ ليلا ونهارا .
سار يتشمم ، حتى انتهى إلى وهدة متخمة بما يخرج من أمعاء الناس !
أشار فورا ببناء كنيف في كل منزل ، وكتب دليلا بطرية إقامته وتزويده بالماء والمرافق وطريقة الاستطابة وصرف الضرر إلى آبار بعيدة تنزح دوريا ، وتلقى في البرية .
تسور عليه الدار نفر أدمنوا استنشاق العذرة ، وذبحوه من الوريد إلى الوريد . أصر شيخ القرية على اعدامهم . بكى الناس شهرا عليه .
نظر إليه بدر بتمعن وقال بفرح :
- عش معنا ، فلابد أنك ورثت الحكمة .
- لا يمكنني ، فأمي تنتظرني ، وربما تموت إذا تأخرت .
- من أجل ذكرى سيدي سأدعك تغادر ، دون أن يعرف أحد بوجودك .
- أستحلفك أن تريني قبر أبى لأبكى عليه .
جحظت عيناه ، وتفرس في وجهه :
- ماذا تعنى بالقبر يا ابن سيدي ؟ لا أفهم مقصدك .
ثم أخذه إلى شجرة كافور ضخمة ، علقوا عليها جثة أبيه مقددة ومملحة .
عذاب المجئ
ذات يوم حار ، طالت رحلة جدي بين البلاد . وضع مقطف المحار بين ساقيه ، وجلس يجفف عرقه ، ويفرد ظهره المتكلس وقدميه المليئتين بالنمل .
النهار يعدو ، ولا مفر من المواصلة حتى يفرغ المحار !
قام كما جلس ، وانحنى ليخفف الألم .
انتهت به الطريق إلى حائط من الغاب ، يكتظ بالعناكب الكامنة،
وأعشاش الأوابد التي تشقشق صغارها ،تستعجل الطعام .
مرق من إحدى الفرج ، فوجد نفسه داخل قرية كبيرة .
وقف وسط السوق ونادي بصوته الرخيم الذي يشبه صوت القمري .
نفد المحار في دقائق ، وتهيأ للعودة ، لكنه سمع صياحا ، ولمح عراكا في أقصى الساحة.
نازعته نفسه أن يتريث ويستطلع .
ثمة عروس تبهر الناظرين ، بفستان رائع ، لم ير له مثيلا !
تلمع فيه نجوم ذهبية تخطف الأبصار ، والطرحة من الحرير الدمشقي الأبيض ، الموشوم بصور الملائكة .
كانت تبكى في خفر ، ويتساقط دمعها كالندى عندما يسقط فوق الوردة في الفجر.
العريس المسربل بالصوف التنيسى ، عائم في عرقه وقنوطه .
نسى ظهره المتكلس وقدميه المليئتين بالنمل ، والنهار المغادر ، والظلام المتسلل والمقطف الفارغ .
أدرك بذكائه القديم المأزق الذي وقع فيه العروسين .
باب الدار منخفض ، والعروس فارعة ، والعريس حائر ، وشيخ القرية شبيه الذئب ، أصدر فتواه :
- ليهدم الباب ، أو تذبح الفارعة !
تقدم جدي ، وصعد فوق صخرة ، ثم ضغط رقبة العروس فانحنت .
دفعها في ظهرها بعزمه ، لتتدحرج وسط الدار كالكرة !
تعالى الصياح والهتاف ، وقال شيخ القرية شبيه الذئب :
- أنت حكيم .
أعطى توا منزل ، له حديقة ، وبغل وجراية من عشرين رغيفا منخولا ، وثلاثين بيضة نيئة ، وزوجين من الدجاج وفخذ خروف ، ورطلين من ماء الورد ، ومنقوع الزبيب ، و أوقية شاي ناعم ، وعشر أوقيات من التمباك .
خلال ثلاثة شهور ، تجلت حكمته كثيرا ، فمنعهم من أكل الكلاب ، وشرب لبن الحمير ، والنوم في الشوارع !
لذا عارضوا نيته في زيارتنا ، حيث برح به الشوق لجدتي ولأبى ولى .
أقنعهم أن ثمة ديون يلزمه سدادها ، حتى لا يقال فر من إرجاع الحقوق إلى أصحابها .
اشترطوا عليه أن يصحبه خمسة رجال!
تقدم القافلة على صهوة بغل ، لا يصهل ولا ينهق !
مأكوله اللوز والجوز وحب الرمان .
وقف به أمام بيتنا ، بلا إرشاد ، خرجنا نستقبله ، هز البغل رأسه فصلصل الجرس الذهبي وقال جدي له :
- هذه أسرتي يا قمر .
فعاود هز الرأس .
كانت وراءه قافلة من الحمير ، محملة بخيرات الله . بعد العناق والقبل ، رفض النزول وقال والدموع تجرى في عينيه :
- سأزوركم في الربيع .
انصرمت الفصول ، ولمحت جدتي الرياح تعول في الباب ، وتصفق على مصاريع النوافذ ، وتسقط أوراق الشجر، وتلسع قلبها بعنف .
أعطت أبى مقطفا مليئا بالمحار .
سار في نفس الطريق ، وانحنى ليخفف الألم ، ثم دخل من نفس الفرجة في حائط الغاب ، حيث العناكب ، والأوابد .
جاس خلال القرية ، حتى لمح أحد الأتباع الخمسة . جلس بجواره سائلا في لوعة :
- أين سيدك يا بدر؟
انخرط الرجل في بكاء مر ، وصحبه إلى داره .
حكي له أنه كان يشم رائحة منتنة عند هبوب الريح من الشمال ، حرمته النوم والطعام ، وصار يقئ ليلا ونهارا .
سار يتشمم ، حتى انتهى إلى وهدة متخمة بما يخرج من أمعاء الناس !
أشار فورا ببناء كنيف في كل منزل ، وكتب دليلا بطرية إقامته وتزويده بالماء والمرافق وطريقة الاستطابة وصرف الضرر إلى آبار بعيدة تنزح دوريا ، وتلقى في البرية .
تسور عليه الدار نفر أدمنوا استنشاق العذرة ، وذبحوه من الوريد إلى الوريد . أصر شيخ القرية على اعدامهم . بكى الناس شهرا عليه .
نظر إليه بدر بتمعن وقال بفرح :
- عش معنا ، فلابد أنك ورثت الحكمة .
- لا يمكنني ، فأمي تنتظرني ، وربما تموت إذا تأخرت .
- من أجل ذكرى سيدي سأدعك تغادر ، دون أن يعرف أحد بوجودك .
- أستحلفك أن تريني قبر أبى لأبكى عليه .
جحظت عيناه ، وتفرس في وجهه :
- ماذا تعنى بالقبر يا ابن سيدي ؟ لا أفهم مقصدك .
ثم أخذه إلى شجرة كافور ضخمة ، علقوا عليها جثة أبيه مقددة ومملحة .
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى