عزبة سمير المنزلاوى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

عذاب المجئ

اذهب الى الأسفل

عذاب المجئ Empty عذاب المجئ

مُساهمة من طرف samir elmanzlawy الإثنين فبراير 08, 2016 9:35 pm

هذه قصة كتبتها منذ فترة طويلة ، لكننى احبها واهديها لكم بمناسبة العيد ، تفضلوا
عذاب المجئ
ذات يوم حار ، طالت رحلة جدي بين البلاد . وضع مقطف المحار بين ساقيه ، وجلس يجفف عرقه ، ويفرد ظهره المتكلس وقدميه المليئتين بالنمل .
النهار يعدو ، ولا مفر من المواصلة حتى يفرغ المحار !
قام كما جلس ، وانحنى ليخفف الألم .
انتهت به الطريق إلى حائط من الغاب ، يكتظ بالعناكب الكامنة،
وأعشاش الأوابد التي تشقشق صغارها ،تستعجل الطعام .
مرق من إحدى الفرج ، فوجد نفسه داخل قرية كبيرة .
وقف وسط السوق ونادي بصوته الرخيم الذي يشبه صوت القمري .
نفد المحار في دقائق ، وتهيأ للعودة ، لكنه سمع صياحا ، ولمح عراكا في أقصى الساحة.
نازعته نفسه أن يتريث ويستطلع .
ثمة عروس تبهر الناظرين ، بفستان رائع ، لم ير له مثيلا !
تلمع فيه نجوم ذهبية تخطف الأبصار ، والطرحة من الحرير الدمشقي الأبيض ، الموشوم بصور الملائكة .
كانت تبكى في خفر ، ويتساقط دمعها كالندى عندما يسقط فوق الوردة في الفجر.
العريس المسربل بالصوف التنيسى ، عائم في عرقه وقنوطه .
نسى ظهره المتكلس وقدميه المليئتين بالنمل ، والنهار المغادر ، والظلام المتسلل والمقطف الفارغ .
أدرك بذكائه القديم المأزق الذي وقع فيه العروسين .
باب الدار منخفض ، والعروس فارعة ، والعريس حائر ، وشيخ القرية شبيه الذئب ، أصدر فتواه :
- ليهدم الباب ، أو تذبح الفارعة !
تقدم جدي ، وصعد فوق صخرة ، ثم ضغط رقبة العروس فانحنت .
دفعها في ظهرها بعزمه ، لتتدحرج وسط الدار كالكرة !
تعالى الصياح والهتاف ، وقال شيخ القرية شبيه الذئب :
- أنت حكيم .
أعطى توا منزل ، له حديقة ، وبغل وجراية من عشرين رغيفا منخولا ، وثلاثين بيضة نيئة ، وزوجين من الدجاج وفخذ خروف ، ورطلين من ماء الورد ، ومنقوع الزبيب ، و أوقية شاي ناعم ، وعشر أوقيات من التمباك .
خلال ثلاثة شهور ، تجلت حكمته كثيرا ، فمنعهم من أكل الكلاب ، وشرب لبن الحمير ، والنوم في الشوارع !
لذا عارضوا نيته في زيارتنا ، حيث برح به الشوق لجدتي ولأبى ولى .
أقنعهم أن ثمة ديون يلزمه سدادها ، حتى لا يقال فر من إرجاع الحقوق إلى أصحابها .
اشترطوا عليه أن يصحبه خمسة رجال!
تقدم القافلة على صهوة بغل ، لا يصهل ولا ينهق !
مأكوله اللوز والجوز وحب الرمان .
وقف به أمام بيتنا ، بلا إرشاد ، خرجنا نستقبله ، هز البغل رأسه فصلصل الجرس الذهبي وقال جدي له :
- هذه أسرتي يا قمر .
فعاود هز الرأس .
كانت وراءه قافلة من الحمير ، محملة بخيرات الله . بعد العناق والقبل ، رفض النزول وقال والدموع تجرى في عينيه :
- سأزوركم في الربيع .
انصرمت الفصول ، ولمحت جدتي الرياح تعول في الباب ، وتصفق على مصاريع النوافذ ، وتسقط أوراق الشجر، وتلسع قلبها بعنف .
أعطت أبى مقطفا مليئا بالمحار .
سار في نفس الطريق ، وانحنى ليخفف الألم ، ثم دخل من نفس الفرجة في حائط الغاب ، حيث العناكب ، والأوابد .
جاس خلال القرية ، حتى لمح أحد الأتباع الخمسة . جلس بجواره سائلا في لوعة :
- أين سيدك يا بدر؟
انخرط الرجل في بكاء مر ، وصحبه إلى داره .
حكي له أنه كان يشم رائحة منتنة عند هبوب الريح من الشمال ، حرمته النوم والطعام ، وصار يقئ ليلا ونهارا .
سار يتشمم ، حتى انتهى إلى وهدة متخمة بما يخرج من أمعاء الناس !
أشار فورا ببناء كنيف في كل منزل ، وكتب دليلا بطرية إقامته وتزويده بالماء والمرافق وطريقة الاستطابة وصرف الضرر إلى آبار بعيدة تنزح دوريا ، وتلقى في البرية .
تسور عليه الدار نفر أدمنوا استنشاق العذرة ، وذبحوه من الوريد إلى الوريد . أصر شيخ القرية على اعدامهم . بكى الناس شهرا عليه .
نظر إليه بدر بتمعن وقال بفرح :
- عش معنا ، فلابد أنك ورثت الحكمة .
- لا يمكنني ، فأمي تنتظرني ، وربما تموت إذا تأخرت .
- من أجل ذكرى سيدي سأدعك تغادر ، دون أن يعرف أحد بوجودك .
- أستحلفك أن تريني قبر أبى لأبكى عليه .
جحظت عيناه ، وتفرس في وجهه :
- ماذا تعنى بالقبر يا ابن سيدي ؟ لا أفهم مقصدك .
ثم أخذه إلى شجرة كافور ضخمة ، علقوا عليها جثة أبيه مقددة ومملحة .

samir elmanzlawy
Admin

المساهمات : 181
تاريخ التسجيل : 07/02/2016

https://samirelmanzlawy.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى